![]() |
سيرة ’ النبي اللهم صل و سلم عليه
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وآله الطاهرين وصحابته أجمعين سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بالكامل وهي موسوعة كاملة بإذن الله لسيرة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ..
تحيآتي / لويز .. , الرجاء لآ احد يرد إلىآ بعد الإنتهآآء |
البيت العتيق
كانت مكة عندما أتي إليها سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام مع ابنه إسماعيل وأمه هاجر ، أرضا قاحلة لا ماء فيها ولا زرع ، حيث ترك إبراهيم عليه السلام ، زوجته هاجر مع وليدها إسماعيل في تلك الأرض القاحلة ، استجابة لأمر الله عز وجل ، وفارقهما ودموع الحزن تذرف من عينه ، حيث التجأ إلى مكان لا يرونه فيه قائلا ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ، وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون 1 جلست هاجر مع وليدها إسماعيل ، ترضعه وتشرب مما بقي من الماء ، حتى إذا نفد ، عطشت وعطش ابنها ، فجعلت تسعى بين الصفا والمروة {2} علها تجد أحدا وفعلت ذلك سبع مرات عادت بعدها يائسة حزينة كئيبة ، وهي ترى ابنها يذوي كوردة ندية لكن الله عز وجل أغاثها وأغاث ابنها ، عندما انفجر نبع ماء بالقرب منها ، فجعلت تزم الماء {3} وتحوضه ، فشربت وشرب ابنها ، وأرسل الله عز وجل قوما {4} يأنسون إليها وتأنس إليهم ، إلى أن شب إسماعيل عليه السلام ، وتزوج من هؤلاء القوم بامرأتين ، الأولى: كانت عاقة ، فأمره أبوه إبراهيم عليه السلام أن يطلقها بعد أن زراه وأطمأن على أحواله ، والثانية كانت بارة وفية مخلصة ، فأمره أبوه أن يحافظ عليها وبوحى من الله عز وجل ، بنى إبراهيم عليه السلام وإسماعيل البيت العتيق فكان أول مسجد وضع للناس ببكة ، يعبدون الله عز وجل فيه ، ويطوفون حوله ، ويسعون بين الصفا والمروة ، ووقف إبراهيم عليه السلام ، بعد أن تم بناء البيت ، يدعو ربه قائلا وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمه مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم 5 واستجاب الله عز وجل لدعاء إبراهيم عليه السلام ، فبعث في أهل مكة نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، رسول الرحمة ، ختم به أنبياءه ورسله ، وأكمل له الدين ما لم يؤت أحدا قبله وعمت دعوته أهل الأرض ، على اختلاف أجناسهم ولغاتهم ، وكان هذا لفضله عليه الصلاة والسلام ، ولشرفه في نفسه وقومه ، وشرف أرضه التي بعث بها ، وفصاحة لغته ولطفه ورحمته ، وكريم أصله وعظيم مولده وقدره 1: الآية 37 من سورة إبراهيم 2: الصفا والمروة: جبلان مرتفعان 3: ولذلك سمي بنبع زمزم 4: هم الجراهمة وكانوا من العرب 5: الآيات 127-129 من سورة البقرة |
عام الفيل
أستبد أبرهة الحبشي ، بأمارة اليمين ونصب نفسه أميرا عليها ، بعد أن عصى أوامر ملكه النجاشي ، ملك الحبشة الذي كان يدين بالنصرانية . وأراد أبرهة أن يرضي النجاشي ليصفح عنه زلته ، فبنى كنيسة فائقة الحسن والجال ، لم ير مثلها في يومها ، وكتب أبرهة إلى النجاشي يعلمه: أني بنيت لك كنيسة ، ولن تهدأ نفسي ، ويستقر حالي ، حتى أصرف أنظار العرب عن الحج إلى البيت العتيق ، إلى الحج لكنيسة "القليس" {1} ولما علم العرب بنوايا أبرهة غضبوا ، فدفعت الحمية رجلا من كنانة ، فخرج حتى أتى الكنيسة وأحدث {2} فيها . ثم أخبر أبرهة بما فعل العربي فغضب غضبا شديدا وقال: والله لأسيرن إلى البيت العتيق حتى أهدمه ثم أمر قواده وجنوده أن يتهيؤوا ، استعدادا لهدم البيت العتيق ، وسار أبرهة في مقدمة الجيش الكبير الذي يتقدمه فيل ضخم ، ولما سمعت العرب بذلك ورأت هذا الجيش الجرار الذي يتقدمه فيل ، هابوا {3} لقاءه ، وفزعوا من مرأى الفيل ، إلا أنهم رأوا أن جهاده حق عليهم ، عندما سمعوا بأن أبرهة يريد هدم كعبتهم ، بيت الله الحرام ، لكن محاولات العرب في صد أبرهة ، باءت بالفشل ، إذ انتصر عليهم ، وبات الطريق أمامه مفتوحا إلى مكة المكرمة ، وما إن وصل إلى مشارفها ، حتى بعث من أتى له بأموال وبعير أهل قريش ، وكان منها مئتا بعير لعبد المطلب بن هاشم ، جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان إذ ذاك سيد قريش وزعيمها وبعث أبرهة رسولا إلى عبد المطلب ، ليخبره أنه لم يأت لحرب قريش ، إنما جاء لهدم الكعبة فإن أراد عبد المطلب الحرب ، فالويل له ، وإن لم يرد ذلك فليأت إليه وأعلم عبد المطلب هذا الرسول ، أن قريشا لا تريد الحرب ، وأنها لا طاقة لها على القتال ، فهذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم ، فللبيت رب يحميه وانطلق عبد المطلب إلى أبرهة حيث استقبله استقبالا حافلا وأجلسه إلى جانبه ثم سأله أن يطلب ما يشاء . فقال عبد المطلب حاجتي أيها الملك ، أن ترد علي البعير التي أخذتها . فقال أبرهة متعجبا: والله إنك قد أعجبتي حين رأيتك ، فلما كلمتني بشأن البعير ، انتقصت من قدرك ، أتكلمني بمئتي بعير ، وتترك البيت الذي هو دين آبائك وأجدادك ؟ فقال عبد المطلب: إني أنا رب الإبل ، أما البيت فله رب سيمنعك عنه ، ثم عاد عبد المطلب إلى قومه ، وأمرهم بالخروج إلى شعاب {4} مكة وجبالها وفي الصباح توجه أبرهة إلى مكة ، يريد هدم البيت ، لكن الفيل الذي كان يتقدم الجيش ، أحجم عن التقدم رغم ضربه ونهره ، فإن وجهوه نحو اليمين هرول، وإن وجهوه نحو الكعبة أحجم وتراجع ، عندئذ لقي ابرهة وجيشه جزاءه العادل ، عندما أرسل الله عز وجل طيورا ، تحمل في أرجلها حجارة صغيرة ، لا تصيب أحدا منهم إلا هلك فولى الجيش هاربا ، لا يلوى على شيء ، أما أبرهة فقد أصيب بالحجارة ، وما إن وصل إلى اليمن حتى فارق الحياة ، وقد ذكر الله عز وجل هذه الحادثة في القرآن الكريم إذ قال ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل *ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول 6 ,, القليس: هي الكنيسة التى بناها أبرهة وأراد أن يصرف أنظار العرب إليها ، وسميت كذلك لارتفاعها وعلو بنائها أحدث: أي بال ، أو تغوط هابوا: خافوا شعاب: مفردها شعب وهو الوادي أبابيل: جماعات كعصف مأكول: ورق الشجر عندما تأكله الحيوانات ثم ترميه، وهذه الآيات الخمس تمام سورة الفيل |
عبادة الأوثان
ضاقت مكة بأبناء إسماعيل عليه السلام وذريته ، فالتمسوا الرزق في بلاد أخرى ، فكان واحدهم لا يرحل عن مكة ، إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما له ، فإذا ما استقروا ، وضعوا هذا الحجر فطافوا حوله كطوافهم حول الكعبة ، حتى إذا مرت السنون ، عبدوا ما أعجبهم من هذه الحجارة واستبدلوا بدين إسماعيل عليه السلام ، عبادة هذه الأوثان ، فصاروا أشبه بالأمم السابقة ، وما هم عليه من الضلال والشرك بالله عز وجل ، فإذا طافوا حول الكعبة ، وحدوا الله بالتلبية ثم أدخلوا معه أصنامهم ، يقول الله عز وجل واصفا حالهم وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون 1 [ سورة يوسف 106 ] ثم إن بعض الرجال ، يدعى- عمرو بن لحي - خرج من مكة إلى بلاد الشام في تجارة له ، فوجد هناك أقواما يعبدون الأصنام فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ قالوا له: هذه أصنام نعبدها ، فنستمطرها فتمطرنا ، ونستنصرها فتنصرنا ، فقال له: ألا تعطوني صنما ، فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له: هبل فكان هذا الرجل ، أول من غير دين إسماعيل عليه السلام وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه {2} في النار " ومن بين الأصنام التي عبدوها - العزى - وكان لقريش وبني كنانة ، وكانت أعظمها عندهم ، يزورونها ويهدون لها ، ويقتربون لها بالذبائح ومنها - اللات - وكانت لثقيف بالطائف وهي عبارة عن صخرة مربعة ومنها أيضا - مناة - وكانت للأوس والخزرج ، ومن دان بدينهم من أهل يثرب وغيرها من هذه الأصنام التي صنعوها بأيديهم ، ثم عبدوها ، ألا ساء ما يعبدون ، واعتقدوا أنها تجلب الخير وتمنع الشر ، ولذلك كانوا يتمسحون بها ويتبركون ، حتى إذا بعث الله رسوله محمدا ، صلى الله عليه وآله وسلم ، برسالة التوحيد استنكروا ذلك ، فقال تعالى في وصفهم أجعل الآلهة إلها واحدا ، إن هذا لشيء عجاب 3 [ سورة ص آلايه 5 ] |
قريش وخدمة البيت
كان القرشيون يولون البيت العتيق اهتماما كبيرا ، وقد استطاع رجل منهم وهو قصي بن كلاب أن يحتكر أمر مكة والعناية بها ، لا بل تملك على قومه فملكوه ، فكانت إليه الحجابة {1} والسقاية {2} والرفادة {3} والندوة {4} واللواء {5} ، فحاز شرف مكة التي قطعها أرباعا بين قومه فأنزل كل قوم من قريش ، منازلهم من مكة ولكن قصي بن كلاب هلك ومات ، فاختلف القرشيون فيما بينهم حول أمور خدمة البيت ، لمن تكون الرفادة والسقاية ؟ ولمن تكون الحجابة والندوة واللواء ؟ وطمع بعضهم في أن تكون أمور الكعبة والبيت كلها في حوزته واشتد الخلاف بين القرشيين وكادت تقع حرب طاحنة فيما بينهم ، لولا أن تداعى القوم إلى الصلح ، فاتفقوا على أن يعطوا بني عبد مناف: السقاية والرفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار ، وكانوا بني عبد مناف قد دخلوا في حلف يسمى: حلف المطيبين ، وذلك أنهم غمسوا أيديهم جميعا ، في إناء مملوء بالطيب ، ثم تعاقدوا وتحالفوا ، أما بنو عبد الدار فقد دخلوا في حلف الأحلاف ، وذلك لأنهم عقدوا مع حلفائهم عند الكعبة ، حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا لكن أهم حلف عقده القرشيون قبل الإسلام ، كان حلف الفضول ، إذ تداعت قبائل من قريش إلى حلف ، يعقدونه في دار عبد الله بن جدعان ، فاجتمعوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما ، إلا نصروه وقاموا معه ، وفي هذا الحلف يقول رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حافا ما أحب أن لي به حمر النعم {6} ولو أدعى به في الإسلام لأجبت ثم إن الرفادة والسقاية ، انتقلت إلى زعيم من زعماء قريش وهو: هاشم بن عبد مناف ، الذي يعتبر أول من سن الرحلتين لقريش: رحلتي الشتاء والصيف ، وأول من أطعم الثريد بمكة ، وعندما مات هاشم بن عبد مناف ، تولى السقاية والرفادة ، المطلب بن عبد مناف ، الذي كان ذا شرف في قومه وفضل ، وكان هاشم بن عبد مناف ، قد ولد له ولدا سماه: شبية ، وهو الذي أطلق عليه فيما بعد اسم: عبد المطلب والذي عاش في كنف ورعاية عمه المطلب |
عبد المطلب وبئر زمزم
أمر عبد المطلب وهو نائم أن يحفر بئر زمزم ، وذلك أن الجراهمة عندما خرجوا من مكة ، دفنوها ، وفي ذلك قال على بن أبي طالب ، كرم الله وجهه ، يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر {7} إذ أتاني آت فقال: احفر طيبة {8} قلت: وما الطيبة ؟ قال: ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال: احفر برة {9} قلت: وما برة ؟ قال: ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر المضنونة {10} قلت: وما المضنونة ؟ قال ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال: احفر زمزم ثم مضى عبد المطلب مع ابنه الحارث ، إلى المكان الذي عين له حاملا معوله ، فحفر فيها ، فلما بدا لعبد المطلب الطي {11} ، كبر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته ، فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب ، إنها بئر أبينا إسماعيل ، وإن لنا فيها حقا ، فأشركنا معك فيها فقال: ما أنا بفاعل ، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم ، وبقي أمر السقاية بيد عبد المطلب ، جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم |
نذر عبد المطلب
رزق عبد المطلب بن هاشم ، بعشرة ذكور ، وست إناث فأما الذكور فهم: العباس وحمزة ، وعبد الله ، وأبو طالب وأسمه عبد مناف والزبير ، وهو أكبر أعمام النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، والحارث ، وحجل ، والمقوم ، وضرار ، وأبو لهب {1} واسمه عبد العزى وأما الإناث فهن: صفية ، وأم حكيم البيضاء ، وعاتكة ، وأميمة ، وأروى ، وبرة وكان عبد المطلب بن هاشم ، قد نذر ، حين لقي ما لقي من قريش عند حفر زمزم ، لئن رزقه الله بعشرة ذكور ، ثم كبروا وبلغوا معه حتى يذودوا {2} عنه ، ليذبحن أحدهم لله عند الكعبة ، فلما بلغ عددهم عشرة ، جمعهم ثم أخبرهم بنذره ، ودعاهم إلى الوفاء لله ، فأطاعوه ، وقالوا: امض يا أبانا إلى ما نذرت له ، ولكن ماذا نصنع ؟ وأينا ستختار ليكون الذبيح ؟ فقال عبد المطلب: ليأخذ كل رجل منكم قدحا {3} ، ثم يكتب فيه اسمه ، ثم ائتوني ففعلوا ما أمرهم به والدهم ، فدخل بهم على هبل {4} ، في جوف الكعبة ، وكان هبل على بئر في جوف الكعبة ، وهي البئر التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة ثم دخل عبد المطلب على صاحب القداح وقال له بعد أن أخبره بنذره الذي نذر : اضرب على بني هؤلاء بقداحهم هذه ، فلما أخذ صاحب القداح ، القداح ليضرب بها ، قام عبد المطلب عند هبل يدعو الله ، ألا يخرج القدح ، على عبد الله ، لأنه كان أصغر بنيه ، وأحبهم إليه ، ثم ضرب صاحب القدح ، فخرج القدح على عبد الله ، فأخذه عند المطلب بيده وأخذ معه سكينا ، ثم ذهب به إلى إساف ونائلة {5} ليذبحه ، فمنعته قريش وقالوا له: والله لن تذبحه ، لئن فعلت هذا ، لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه ، ولكن إن كان فداؤه بأموالنا فديناه ، عندئذ لجؤوا إلى القداح ، كعادتهم قبل أن يفعلوا أي شيء ، فقربوا عبد الله وعشرا من الإبل {6} ، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله ، فزادوا عشرا من الإبل ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبد الله ، فزادوا عشرا من الإبل ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبد الله ، فزادوا عشرا من الإبل إلى أن بلغت الإبل مئة ، ثم ضربوا فخرج القدح على اللإبل فقالت قريش: قد انتهى رضا ربك يا عبد الله |
زواج عبد الله
فرح عبد المطلب بنجاة ابنه عبد الله ، فخرج آخذا بيده ، إلى أن مر بوهب بن عبد مناف بن زوهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وهو يومئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا ، وكان له بنت اسمها آمنة ، فخطبها عبد المطلب لابنه عبد الله ، وهى يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وشرفا ، فكان زواج عبد الله بن عبد المطلب من آمنة بنت وهب ، أعظم زواج في تاريخ البشرية ، لأنه أنجب خير البشرية جمعاء ، محمدا بن عبد الله بن عبد المطلب ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أوسط قومه نسبا ، وأعظمهم شرفا من قبل أبيه وأمه ، صلى الله عليه وآله وسلم |
فجر الهدى
بعد أن تم زواج عبد الله بن عبد المطلب ، من آمنة بنت وهب ، حملت آمنة بعد أشهر من زواجها ، بأشرف الخلق ، وخير الناس ، وقد حصل لها بعد حملها ، أمور عجيبة ، وها هى آمنة ، أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحدثنا فتقول: أتيت حين حملت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقيل لي: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ، فإذا ولد فقولي: أعيذه بالواحد ، من شر كل حاسد ، ثم سميه محمدا ، ولم يكن هذا الاسم معروفا في الجاهلية ، إلا أن ثلاثة من الرجال ، عزموا على تسمية أولادهم بهذا الاسم المبارك ، عندما سمعوا بقرب ولادة الرسول المنتظر ، طمعا بأن يكون أحدهم النبي المبعوث |
ولادة خاتم الأنبياء
ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الأثنين ، في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، وفي العام الذي غزا فيه أبرهة الأشرم مكة ، يريد هدم بيتها المعظم ، والذي سمي بعام الفيل ، وكان أهل الكتاب من يهود ونصارى ، يعلمون بقرب ولادة الرسول الذي بشر به ، ولذلك يقول حسان بن ثابت ، رضي الله عنه : والله إني لغلام يفعه {1} ، ابن سبع سنين أو ثمان ، أعقل {2} كل ما سمعت ، إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطعمة {3} بيثرب : يا معشر اليهود ، حتى إذا اجتمعوا إليه ، قالوا له : ويلك مالك ؟ قال طلع الليل نجم أحمد الذي ولد به وكانت أمه عندما حملت به صلى الله عليه وآله وسلم قد رأت نورا خرج منها ، رأت به قصور بصرى ، من أرض الشام ، فأرسلت إلى جده عبد المطلب وكان ابوه صلى الله عليه وآله وسلم ، قد مات ، وأم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حامل به ، فلما حضر جده ، قالت آمنة : إنه ولد لك غلام ، فأته فانظر إليه ، وحدثته بما رأت حين حملت به ، وما قيل لها فيه ، وما أمرت به أن تسميه فرح عبد المطلب بحفيده ، فقام فضمه إلى صدره وسماه محمدا ، وأخذه فدخل به الكعبة ، فقام يدعو الله ، ويشكر له ما أعطاه ، ثم طلب له المرضعات ، كي يرضعنه ، جريا على عادة اتبعها العرب في إرسال أولادهم إلى البادية ، ليكتسبوا القوة والفصاحة والمنعة |
حليمة السعدية
استرضع عبد المطلب ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، امرأة من بني سعد بن بكر ، يقال لها: حليمة ابنه أبي ذؤيب ، وهو عبد الله بن الحارث أما والد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في الرضاعة ، فهو: الحارث ، وأنيسة بنت الحارث ، وحذافة بنت الحارث ، المعروفة بالشيماء ولنترك الآن حليمة السعدية ، تروي لنا ما أصابها وقومها من الخير ، بعد تسلمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تقول حليمة: خرجت من بلدي مع زوجي ، وابن لي صغير ، نلتمس الرضعاء ، في سنة شهباء {1} ، لم تبق لنا شيئا ، ومعنا شارف {2} لنا ، والله ما تبض {3} بقطرة ، وما ننام ليلنا من صبينا الذي معنا ، من بكائه من الجوع ، وما في ثديي ما يشبعه ، وما في الشارف ما يغذيه حتى وصلنا إلى مكة فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتأباه ، إذا قيل لها: إنه يتيم ، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول: يتيم !! وما عسى أن تصنع أمه وجده ! فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا إلا أنا فلما نوينا الانطلاق قلت لزوجي والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ، ولم آخذ رضيعا ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه فقال زوجي: لا عليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة فذهبت حليمة إلى ذلك اليتيم صلى الله عليه وآله وسلم فأخذته ، وما حملها على أخذه إلا أنها لم تجد غيره وتقول حليمة السعدية: فلما أخذته ، رجعت إلى رحلي ، فلما وضعته في حجري ، أقبل عليه ثديي بما شاء من لبن {4} ، فشرب حتى روي ، وشرب معه أخوه {5} حتى روي ، ثم ناما ، وما كنا ننام معه قبل ذلك ، وقام زوجي إلى شارفنا ، فإذا إنها لحافل {6} ، فحلب منها ما شرب ، وشربت معه حتى شبعنا ، فبتنا بخير ليلة ، إلى أن أصبحنا ، فقال زوجي: اعلمي يا حليمة ، لقد أخذتنا نسمة مباركة ، ثم ركبت حماري ، وحملت اليتيم معي ، فأسرع الحمار حتى إنني سبقت صواحبي كلهن ، إلى أن وصلنا إلى منازلنا من بلاد بني سعد ، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب {7} منها فكانت غنمي تعود ، حين قدمنا به معنا شباعا ، قد امتلأ ضرعها لبنا ، فنحلب ونشرب ، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم أسرحوا بأغنامكم ، حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب ، فتعود أغنامهم جياعا لا تحلب قطرة لبن ، وتعود أغنامي شباعا ، تدر لبنا كثيرا ، ولم تزل البركة والخير ، تحفان بناحتى مضت سنتان ، عندئذ فصلته {8} ، وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنيه ، حتى كان غلاما جفرا {9} ، صلى الله عليه وآله وسلم وتقول حليمة السعدية: فعدت به إلى أمه صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أحرص شيء على بقائه فينا ، لما كنا نرى من بركته ، ولم أزل أكلم أمه في أن تبقيه عندي ، حتى رضيت فرجعنا به ، وبعد أشهر ، أتانا أخوه يشتد {10} فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض ، فأضجعاه ، فشقا بطنه ، فخرجت أنا وأبوه نحوه ، فوجدناه قائما منتفعا {11} وجهه ، فأحطناه وقلنا له: مالك يا بني قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض ، فأضجعاني وشقا بطني ، فالتمسا فيه شيئا لا أدري ما هو وتقول حليمة السعدية: قال لي أبوه {12} : يا حليمة ، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب ، فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به فأحتمله ، فقدمت به على أمه فقالت: ما الذي جاء بك يا حليمة ، وقد كنت حريصة عليه ، وعلى بقائه عندك فقلت قد أديت واجبي ، وتخوفت الأحداث ، فأعدته إليك كما تحبين ، فقالت آمنة: ما هذا شأنك ، فاصدقيني خبرك ، فأخبرتها ، فقالت أفتخوفت عليه الشيطان ؟ والله ما للشيطان عليه من سبيل، وإن لابني لشأن ، فقد رأيت حين حملت به ، أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصري من أرض الشام ، ثم حملت به ، فوا لله ما رأيت من حمل قط كان أخف عليه ولا أيسر منه ، ووقع حين ولدته ، وإنه لواضع يديه بالأرض ، رافع رأسه إلى السماء ، دعيه عنك وانطلقي راشدة |
وفاة آمنة
عاش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع أمه آمنة بنت وهب ، وجده عبد المطلب بن هاشم ، في حماية الله عز وجل وحفظه ، ينبته الله نباتا حسانا ، لما يريد به من كرامته ، وبينما كانت آمنة راجعة به صلى الله عليه وآله وسلم من مكة ، وقد كانت تزور أخواله من بني عدي بن الجار ، جاءها ملك الموت فقبض روحها ، في منطقة الأبواء ، بين مكة والمدينة ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن ست سنين |
وفاة عبد المطلب
انتقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد وفاة أمه ، إلى جده عبد المطلب ، الذي رعاه خير رعاية ، وحفظه خير حفظ ، فكان يحبه حبا جما ، حتى كان يفضله على بنيه ، فكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة ، فيأتي أعمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيجلسون حول فراشه ، فلا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له ، أما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان يأتي وهو غلام جفر ، حتى يجلس عليه ، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه ، فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني ، فوا لله إن له لشأنا ، ثم يجلسه معه على الفراش ، ويمسح ظهره بيده ولكن ما إن بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثماني سنوات حتى توفي جده عبد المطلب بن هاشم |
كفالة أبي طالب
وانتقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى عمه أبي طالب ، تنفيذا لوصية عبد المطلب ، وذلك لأن عبد الله ، أبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبا طالب أخوان لأب وأم ، فأمهما: فاطمة بنت عمرو وعاش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عند عمه سعيدا فرحا كذلك كان عمه ، سعيدا بصحبته، حتى إنه كان لا ينام إلا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إله وسلم إلى جانبه وقد حدث أبو طالب ، أخاه العباس ، عما كان يرى من شأن ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أمرت محمدا في ليلة ، أن يخلع ثيابه وينام معي ، فرأيت الكراهة في وجهه ، لكنه كره أن يخالفني ثم قال: يا عماه اصرف وجهك عني ، حتى أخلع ثيابي ، إذ لا ينبغي لأحد أن يرى جسدي ، فتعجب من قوله وصرفت بصري حتى دخل الفراش ، وحاولت النظر إلى جسده ، فما كنت أرى شيئا ، وكثيرا ما كنت أسمع منه كلاما يعجبني ، وذلك عند مضي بعض الليل ، وكنا لا نسمي على الطعام والشراب ، ولا نحمده بعده ، وكان يقول في أول الطعام: باسم الله الأحد ، وإذا فرغ منه قال: الحمد لله ، فتعجبت منه ، ثم لم أر منه كذبة ولا ضحكا ولا جاهلية ولا وقف مع صبيان يلعبون |
بحيرى الراهب
أراد أبو طالب ، أن يخرج إلى الشام في تجارة له ، فلما استعد للرحيل ، ونوى على المسير ، مال إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتعلق بأثوابه ، يريد الذهاب معه ، فرق عليه أبو طالب وعطف عليه وقال: والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبدا وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع عمه أبي طالب ، وهو في التاسعة من عمره فلما وصل المركب إلى مدينة بصرى من أرض الشام ، نزلوا قرب راهب هناك يقيم في صومعته ، يدعى بحيرى وكانوا كثيرا ما يمرون به ، أثناء ذهابهم أو أيابهم ، لكنه في هذا العام احتفى بهم ، واستقبلهم استقبالا حافلا ، وقد كان لا يكلمهم ولا يعرض لهم ، ثم صنع لهم طعاما كثيرا ونزل من صومعته وقال للقوم: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، وإني أحب أن تحضروا كلكم ، صغيركم وكبيركم ، وعبدكم وحركم ، فقال له رجل منهم: شأنك اليوم ؟ فقال بحيرى : صدقت ، ولكني أحببت اليوم أن أكرمكم ، فأنتم ضيوفي فاجتمع القوم إليه ، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لصغر سنه وكان بحيرى الراهب قد رأي غمامة تظل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا سار سارت معه ، ورأى أغصان الشجرة التي أوى تحتها ، قد مالت وتدلت ، على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما نظر بحيرى في القوم ، لم ير ذلك الفتى ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطلب من القوم أن يحضروه ، فلما حضر ، صلى الله عليه وآله وسلم ، جعل بحيرى يتفحصه وينظر إلى أشياء من جسده ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى وقال له: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى ، فوا لله ما أبغضت شيئا قط بغضهما ثم جعل بحيرى يسأله عن أشياء من حاله ونومه وهيئته وأموره ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يخبره ، فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته ، ثم نظر إلى ظهره ، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه ثم أقبل بحيرى على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك ؟ قال أبو طالب: إنه ابني فقال له بحيرى: ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا فقال أبو طالب: إنه ابن أخي ، قال بحيرى: فما فعل أبوه ؟ قال أبو طالب: مات وأمه حبلى به فقال بحيرى: صدقت فارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر عليه اليهود ، فوا لله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ، لأضمروا له شرا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم ، فأسرع به إلى بلاده وكان أهل الكتاب من يهود ونصارى ، يعرفون صفته ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وزمان مبعثه يقول الله سبحانه وتعالى وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد 1 وعندما سمع أبو طالب ما سمع ، خف راجعا بابن أخيه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى مكة فشب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في مكة وعناية الله تعالى تحمية وتحفظه من أقذار الجاهلية ، لما يريد به من كرامته ورسالته ، إلى أن كان رجلا ، وأفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقا ، وأكرمهم حسبا ، وأحسنهم جوارا ، وأعظمهم حلما ، وأصدقهم حديثا ، وأعظمهم أمانة ، وأبعدهم عن الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال ، حتى عرف في قومه بالصادق الأمين ، فإذا ما أراد أحدهم سفرا ، وخشي سرقة أمواله ، أئتمن بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم |
رعيه للغنم
رعى رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم الغنم كغيره من الأنبياء الذين سبقوه ، لما في رعاية الغنم ، من تعويد على الصبر والمجلدة ، ولما فيها من بعد الناس ، وخلو إلى النفس ، وزرع للرحمة والمودة في قلب الراعي ، حيث هو حريص على أغنامه ، حريص على أن يعيدها على أحسن حال ، حريص على أن يقودها ويسوسها إلى حيث الخصب والمرعى والماء ، وهو أثناء هذا كله يجلس متفكرا متأملا في ملكوت الله تعالى ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما من نبي إلا قد رعى الغنم قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : وأنا وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم ، فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ قال وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط |
عصمته من كل دنس
حفظ الله تعالى نبيه وحبيبه ، محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، من كل دنس ، وأبعده عن رذائل الجاهلية ومفاسدها ، وحماه من كل سوء فقد ضرب الله تعالى على أذنه فنام ، وما أيقظه إلا حر الشمس ، وذلك بعد أن ترك غلاما مع غنمه ، وذهب ليسمر ويلهو ، كما يسمر ويلهو شباب مكة ، حتى إذا بلغ أول دار بمكة سمع عزفا وغناء ، ثم أفاق من نومه بعد أن أنتهى كل شيء ويحدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عما كان الله تعالى ، يحفظه به في صغره فقال : لقد رأيتني في غلمان قريش ، ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان ، كلنا قد تعرى ، وأخذ إزاره فجعله على رقبته ، يحمل عليه الحجارة ، فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر ، إذ لكلمني لاكم ما أراه ، لكمة وجيعة ، ثم قال : شد عليك إزارك ، قال : فأخذته وشددته على ، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي وإزاري على من بين أصحابي |
تعريفه بنفسه صلى الله عليه وآله وسلم
اجتمع نفر من أصحاب ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حوله ثم قالوا له : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك ؟ قال نعم ، أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى أخي عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي ، أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام ، واسترضعت في بني سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما {1} ، لنا ، إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض ، بطست من ذهب مملوءة ثلجا ، ثم أخذاني فشقا بطني ، واستخرجا قلبي فشقاه ، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ، ثم قال أحدهما لصاحبه ، زنه بعشرة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بمئة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، فقال : دعه عنك ، فو الله لو وزنته بأمته لوزنها |
نبوءة ورقة بن نوفل
ذهبت خديجة بنت خويلد ، رضي الله عنها ، بعد أن سمعت ، ما ذكر لها غلامها ميسرة ، من قول الراهب ، وحديثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر الملكين اللذين كانا يظلانه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وقصت على ابن عمها : ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، وكان نصرانيا قد تتبع الكتب السماوية ، وعلم من علم الناس ، ما سمعت من غلامها ميسرة فقال ورقة لئن كان هذا حقا يا خديجة ، إن محمدا لنبي هذه الأمة ، وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر ، هذا زمانه |
النبوءة ببعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
معرفة الكهان بمبعثه كان الكهان من العرب ، تأتيهم الشياطين من الجن بأخبار ، يسترقونها من السماء، فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحان موعد مبعثه ، منعت الشياطين عن السمع ، وحجبت أخبار السماء عنها ، وأبعدت عن المقاعد التي كانت تقعد فيها لاستراق السمع ، ورميت بالشهب ، فعرفت الجن ، أن ذلك الأمر حدث لأمر خطير وحدث جلل ، ولذلك بين الله تعالى لنبيه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حين بعثه ، خبر الجن ، إذ حجبوا عن السمع ، وعرفوا ما عرفوا ، لكنهم أنكروا بعد ذلك ما رأوا ، يقول الله سبحانه وتعالى قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ، فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد (2) ربنا ما اتخذ صاحبه ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا (3) وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا 4 إلى أن يقول الله سبحانه وتعالى وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا (5) وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا 6 مما يروى أن بني مذحج الذين كانوا يسكنون اليمن ، كان لهم في الجاهلية كاهن ، فلما ذكر أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وانتشر خبره بين العرب ، قال بنو مذحج لكاهنهم: انظر لنا في أمر هذا الرجل فرفع الكاهن رأسه إلى السماء طويلا ، ثم جعل يثب {7} وقال: أيها الناس إن الله أكرم محمدا واصطفاه ، وطهر قلبه وحشاه ، ومكثه {8} فيكم أيها الناس قليل معرفة اليهود به ، صلى الله عليه وآله وسلم كان اليهود ، وهم أهل كتاب ، يعلمون بقرب مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولذلك كانوا يقولون للمشركين من قريش : أنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه ، قتل عاد وإرم {9} ، ولذلك أسلم كثير من المشركين ، وآمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لما كانوا يسمعون من اليهود ، أما اليهود أنفسهم ، وهم الذين كانوا يعلمون بقرب مبعثه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد كفروا به لا بل حاربوه محاربة عظيمة ، وحاولوا قتله ، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل ، وذلك أن الله عز وجل كان يريد لنوره أن يتم وأن يعم الإسلام جميع أنحاء المعمورة يقول الله سبحانه وتعالى ، يصور حال هؤلاء المارقين ، قتلة الأنبياء والمرسلين ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ، وكانوا من قبل يستفتحون (10) على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين 11 ومما يذكر ، أن يهوديا وقف في جماعة من أهل قريش ، يحذرهم ويذكر بيوم القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار ، وقال: إن ذلك يكون لأهل الشرك ، عبدة الأوثان ، الذين لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت ، فقالوا له: أو تري هذا كائنا ؟ ! أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ، يجزون فيها بأعمالهم فقال اليهودي: نعم فقالوا له : فما آية {12} ذلك ؟ قال: نبي مبعوث من نحو هذا البلاد فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، آمن به بعض أهل قريش ، أما اليهودي فقد كفر به بغيا وحسدا معرفة النصارى به : صلى الله عليه وآله وسلم عرف كثير من النصارى بقرب مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك أن عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، قد بشر به في الإنجيل ، وقد ورد اسمه علية الصلاة والسلام باسم : البار قليط ، ومعناه باللغة العربية : أحمد كما جاء في القرآن الكريم ، حيث يقول الله سبحانه وتعالى وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد 13 كذلك ورد اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسم: المنحمنا باللغة السريانية ، وتعني باللغة العربية : محمد ، وهو صلى الله عليه وآله وسلم باللغة الرومية البرقليطس ولهذا فقد أكرم ملوك النصارى {14} رسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكاد بعضهم أن يعلن إسلامه ، لا لشيء إلا لعلم هؤلاء يأتي من بعد عيسى عليه السلام اسمه: أحمد صلى الله عليه وآله وسلم |
مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم
عندما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أربعين سنة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وبشيرا للناس أجمعين ، وكان الله تبارك وتعالى ، قد أخذ الميثاق {1} على نبي بعثه قبله بالإيمان به ، والتصديق له ، والنصر له على من خالفه يقول الله عز وجل مخاطبا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه . قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين 2 وكان أول ما ابتدىء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي ، الرؤية الصادقة ، تقول عائشة بنت أبي بكر الصديق ، رضي الله عنها: إن أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من النبوة ، حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به ، الرؤيا الصادقة ، لا يرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح وقالت عائشة رضي الله عنها : وحبب الله تعالى إليه الخلوة ، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حين أراد الله كرامته ، وابتدأه بالنبوة ، إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر {3} عنه البيوت ، ويفضى {4} إلى شعاب {5} مكة وبطون أوديتها فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله بدء الوحي اعتاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يعتكف شهرا في كل عام في غار حراء ، يتفكر في آلاء الله عز وجل ويبتعد عن فجور أهل مكة وعاداتهم الذميمة ، فإذا انتهى ذلك الشهر ، كان أول ما ينتهي إليه قبل أن يذهب إلى بيته ، الكعبة ، فيطوف بها سبعا ، ثم يرجع إلى بيته إلى أن كان الشهر الذي أراد الله تعالى فيه ما أراد من كرامته ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك الشهر هو شهر رمضان ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كعادته إلى غار حراء ، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ، جاءه جبريل عليه السلام ، بأمر الله تعالى ، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " فجاءني جبريل ، وأنا نائم ، بنمط {6} من ديباج فيه كتاب فقال: اقرأ ، قال: قلت: ما أقرأ {7} ؟ قال: فغتني {8} به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني {9} فقال: اقرأ ، قال: قلت ما أقرأ ؟ قال: فغتني به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال: اقرأ ، قال: قلت: ماذا اقرأ ؟ قال: فغتني به ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني فقال: اقرأ ، قال: قلت: ماذا أقرأ ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم 10 قال: فقرأتها ثم انتهى فانصرف عني ، وهببت من نومي ، فكأنما كتبت في قلبي كتابا قال: فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل ، سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد ، أنت رسول الله وأنا جبريل ، قال: فرفعت رأسي إلى السماء أنظر ، فإذا جبريل في صورة رجل يقول: يا محمد ، أنت رسول الله وأنا جبريل قال: فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر ، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء ، قال: فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك ، فما زلت واقفا أتقدم أمامي وما أرجع ورائي ، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، فانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة ، فجلست إلى فخدها مضيفا {11} إليها ، فقالت: يا أبا القاسم ، أين كنت ؟ فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا لي ، ثم حدثتها بالذي رأيت ، فقالت: أبشر يا بن عم وأثبت فهو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة وقد ابتدىء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بالتنزيل في شهر رمضار المبارك ، لقول الله تبارك وتعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان 12 ولقوله عز وجل إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، سلام هي حتى مطلع الفجر 13 |
أول امرأة دخلت في الإسلام
وقفت خديجة بنت خويلد ، رضي الله عنها ، زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى جانب زوجها تعينه وتخفف عنه بعض همومه ، فعندما جاءه الوحي أخذ يرجف فؤاده ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وأسرع إلى خديجة ، رضي الله عنها ، قائلا: " زملوني {1} زملوني " فغتطه خديجة ، رضي الله عنها ، وحدبت {2} عليه ، إلى أن هدأ روعه {3} ، عندئذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لقد خشيت على نفسي يا خديجة " فقالت خديجة رضي الله عنها: كلا والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم {4} ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري {5} الضيف ، وتعين على نوائب الحق ثم قامت خديجة ، رضي الله عنها ، فجمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد ، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال ورقة بن نوفل: قدوس {6} ، قدوس والذي نفس ورقة بيده ، لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس {7} الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه السلام وإنه لنبي هذه الأمة ، فقولي له: فليثبت رجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخبرته بقول ورقة بن نوفل ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، جواره وانصرف ، صنع كما كان يصنع ، بدأ بالكعبة فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة ، فقال: يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له ورقة: والذي نفسي بيده ، إنك لنبي هذه الأمة ، ولق جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ، ولتكذبنه ولتوذنيه ولتخرجنه ولتقاتلنه ، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ، ثم أدنى رأسه منه فقبله ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى منزله حيث وجد زوجته خديجة ، رضي الله عنها ، التي سرعان ما أعلنت إيمانها به ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وصدقت بما جاءه من الله عز وجل ، وآزرته على أمره ، فكانت رضي الله عنها ، أول من آمن بالله ورسوله وصدق بما جاء منه فخفف الله عز وجل بذلك عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لا يسمع شيئا يكرهه ، من تكذيب له وتشنيع لما جاء به ، إلا فرج الله عنه إذا رجع إليها وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يقدر وقفة خديجة إلى جانبه ، ويبادلها الحب والود حتى إنه صلى الله عليه وآله وسلم ، بشرها ببيت في الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب {8} ، لا صخب {9} فيه ولا نصب {10} " وفي إحدى خلوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع خديجة رضي الله عنها ، قالت خديجة: يا بن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " نعم " فبينما هي عنده ، إذ جاءه جبريل ، عليه السلام ، فصدقت به وقالت: يا بن عم ، أثبت وأبشر ، فو الله إنه لملك وما هذا بشيطان ثم إن الوحي الإلهي فتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحزن وشق {11} ذلك عليه ، فكان جبريل عليه السلام ، يظهر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بين حين وآخر ويقول له : إنك رسول الله حقا ، فيسكن جأشه وترجع إليه نفسه ، ثم جاءه جبريل بسورة الضحى ، يقسم له ربه ، وهو الذي أكرمه ، وبأنه ما ودعه وما قلاه وإن خير الآخرة خير له ، ثم يعرفه الله عز وجل ، ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره ، ومنه عليه في يتمه وعيلته وضلالته ، وإنقاذه من ذلك كله برحمته يقول الله عز وجل والضحى والليل إذا سجى (12) ما ودعك ربك وما قلى (13) وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا (14) فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك حدث 15 وبينما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يمشي ، إذ سمع صوتا فرفع بصره فإذا الملك الذي جاءه بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض فعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى زوجته خديجة رضي اله عنها قائلا لها: " دثروني {16} ، دثروني " فأنزل الله تعالى قوله يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر 17 ثم كثر نزول الوحي وتتابع |
فرض الصلاة
كان أول شيء فرضه الله ، عز وجل ، على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد الإقرار بالتوحيد والبراءة من الأوثان ، الصلاة ، فعن عائشة رضي الله عنها ، قالت: أفترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أول ما أفترضت عليه ركعتين ركعتين كل صلاة ، ثم إن الله تعالى ، أتمها في الحضر أربعا ، وأقها في السفر على فرضها الأول ركعتين ثم إن الله سبحانه وتعالى ، عندما فرض الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأتاه جبريل ، وهو بأعلى مكة ، فهمز {1} له بعقبه في نواحي الوادي ، فانفجرت منه عين ، فتوضأ جبريل عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليه ، ليريه كيف الطهور للصلاة ، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما توضأ جبريل عليه السلام ، ثم قام جبريل عليه السلام فصلى به ، ثم اتجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى زوجته خديجة ، رضي الله عنها ، فتوضأ ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل ، فتوضأت كما توضأ لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم صلى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما صلى به جبريل علية السلام وكان جبريل عليه السلام ، قد صلى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الظهر حين مالت الشمس ، ثم صلى به العصر حين كان ظله مثله ، ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس ، ثم صلى به العشاء الآخرة حين ذهب الشفق ، ثم صلى به الصبح حين طلع الفجر ، ثم جاءه فصلى به الظهر من غد حين كان ظله مثله ، ثم صلى به العصر حين كان ظله مثله ، ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس لوقتها في الأمس ، ثم صلى به العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل الأول ، ثم صلى به الصبح مسفرا {2} غير مشرق {2} ثم قال: يا محمد ، الصلاة فيما بين صلاتك اليوم وصلاتك بالأمس المسلمون الأوائل أول الناس إيمانا بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، خديجة بنت خويلد ، رضي الله عنها ، كما مر معنا ، ثم أخذ عدد المسلمين يزداد رويدا رويدا ، ثم كان على بن أبي طالب بن عبد المطلب ، أول ذكر من الناس آمن برسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، والذي كان ، رضي الله عنه ، في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قبل الإسلام إذ أخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ليرعاه ويكفله ، تخفيفا على أبي طالب ، إذ كان ذا عيال كثير ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة ، وخرج معه علي بن أبي طالب ، مستخفيا من أبيه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه ، وعندما عثر أبو طالب عليهما وهما يصليان قال أبو طالب: يا بن أخي ، ما هذا الدين الذي أراك تدين به ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عم ، هذا دين الله ، ودين ملائكته ، ودين رسله ودين أبينا إبراهيم ، بعثني الله به رسولا إلى العباد ، وأنت يا عم ، أحق من بذلت له النصيحة ، ودعوته إلى الهدى ، وأحق من أجانبي إليه وأعانني عليه فقال أبو طالب: يا بن أخي ، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه ولكن والله لا يخلص {4} إليك بشيء تكرهه ما بقيت ثم أسلم ثانيا ، زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ أن حكيم بن حزام بن خويلد ، عاد من بلاد الشام ومعه بعض الرقيق ، وفيهم زيد بن الحارثة ، فدخلت عليه عمته خديجة بنت خوبلد ، وهي يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال حكيم بن حزام لعمته خديجة: اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك ، فاختارت زيدا فأخذته ، ثم وهبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وطلب ابنه منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزيد: إن شأت فأقم عندي ، وإن شئت فانطلق مع أبيك ، فقال زيد: بل أقيم عندك ، فلم يزل عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى بعثه الله عز وجل فصدقه وأسلم وصلى معه ، فلما أنزل الله ، عز وجل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله 5 قال زيد : أنا زيد بن حارثة ، ثم سقط زيد شهيدا عندما أرسله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أميرا على الجيش في معركة مؤتة ثم أسلم أبو بكر أبي قحافة ، الصديق ، رضي الله عنه ، الذي أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأسلم على يديه: عثمان بن عفان ، والزبير بن العوام بن خويلد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، الذي جاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما دعوت أحدا إلى الإسلام ، إلا كانت فيه كبوة {6} ونظر وتردد ، إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ثم وفي أثناء الدعوة إلى الله وإلى الدين الجديد سرا ، والتي دامت مدة ثلاث سنوات ، دخل في الإسلام رجال جدد ، نذكر بعضهم: أبو عبيدة بن الجراح ، والأرقم بن أبي الأرقم ، الذي أقام في داره ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مستخفيا مع أصحابه بعبادتهم ، إلى أن أمره الله عز وجل ، بإظهار الدين ، وعثمان بن مظعون ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب ، وسعيد بن زيد وزوجته فاطمة بنت الخطاب ، أخت عمر بن الخطاب ، وأسماء بنت أبي بكر ، وعسير بن أبي وقاص ، أخو سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن مسعود وغيرهم وغيرهم ، هؤلاء المسلمون الأوائل ، هم من قبائل مختلفة ، أنضووا تحت لواء الدعوة الإسلامية ، وأصبحوا أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولاقوا من العذاب والاضطهاد ما تشيب من هوله {7} الولدان ، الأمر الذي هيأ لظهور الإسلام جهرا وأمام الناس أجمعين |
أول من آمن بالله ورسوله
كانت خديجة بنت خويلد الأسدية ، أول الناس إيمانا بالله ورسوله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وأول من آمن من الرجال: أبو بكر الصديق التيمي ، رضي الله عنه ، وأول من آمن من الموالي زيد بن الحارثة ، وأول من آمن من العبيد: بلال بن رباح الحبشي ، وأول من آمن من الصبيان: علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه ، وأول من أسلم من النساء بعد خديجة: أم أيمن ، بركة الحبشية ، وأم الفضل: لبابة الكبرى بنت الحارث ابن حزن الهلالية ، زوج العباس بن المطلب ، وأسماء بنت أبي بكر الصديق ، ذات النطاقين ، وأم جميل: فاطمة بنت الخطاب العدوية ، أخت عمر بن الخطاب حشرنا الله مع هؤلاء الصحابة ، رضوان الله عليهم ، الذين نبذوا الأصنام والأوثان ، وآمنوا بالله ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ودافعوا عن دينهم ، ووقفوا بوجه قوى الشرك والطغيان ليفتحوا الباب لغيرهم من وفود المسلمين ، الذين رفعوا الراية من بعدهم ، ومضوا في طريق الهداية والإيمان |
المستهزئون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لما نزل قول الله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين 1 وهم بنو هاشم ، وبنو المطلب وبنو نوفل وبنو عبد شمس ، جمعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودعاهم إلى الإيمان بالله ورسوله ، فلم يجبه منه إلى علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، فإنه أجابه على المؤآزرة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تكلم فيهم فقال : والله الذي لا إله إلى هو إني لرسول الله إليكم خاصة ، وإلى الناس كافة ، والله لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتحاسبن بما تعملون ، ولتجزون بالإحسان إحسانا ، وبالسوء سوءا فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك ، وإقبالنا لنصيحتك ، وأشد تصديقا لحديثك ، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم لما تحب ، فامض إلى ما أمرت به ، فو الله لا أزال أحوطك وأمنعك ، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين آبائي وأجدادي ووقف أبو لهب قائلا: هذه والله السوأة ، خذوا على يديه قبل أن يأخذه غيركم ، فرد عليه أبو طالب قائلا: والله لنمنعه ما بقينا ثم انصرف القوم ، وأخذ بعضهم يشير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ساخرين قائلين : هذا ابن أبي كبشة ، يكلم من في السماء ! أو هذا غلام عبد المطلب ! وأخذ بعضهم يلمزون المؤمنين ويغتابونهم ويستهزئون بهم ، احتقارا لهم فأنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، الآية التالية اطمئنانا وثقة وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون 2 ويقول الله مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنا كفيناك المستهزئين 3 والمستهزئون هم جماعة من قريش أهلكهم الله عز وجل ومنهم عبد العزى بن عبد المطلب ، الذي آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان يطرح الأقذار على باب داره ومات أبو لهب عند وصول الخبر إلى مكة بانهزام المشركين بمعركة بدر بمرض الجدري الأسود بن عبد يغوث : الذي كان يسخر من الفقراء المسلمين فبقول : هؤلاء ملوك الأرض الذين سيرثون ملك كسرى ، ومات هذا بمرض الاستسقاء 4 الوليد بن المغيرة المخزومي ، الذي قال للناس : إن محمدا ساحر ، يفرق بين المرء وأخيه ، وبين الرجل وزوجه ، وقتل هذا الكافر عندما علق سهم في ثيابه ، فخدش رجله فمات وفيه نزلت الآية التالية ولا تطع كل حلاف مهين 5 أبي بن خلف الجمحي: الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه عظم فخد ، ففته في يده وقال: زعمت أن ربك بقادر على إحياء العظم وهو رميم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " نعم ويبعثك ويدخلك النار " ، ثم أنزل الله سبحانه وتعالى أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم 6 وقتل أبي يوم أحد ، قتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العاص بن وائل السهمي ، الذي كان يؤذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، الكلام فعندما مات القاسم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : إن محمدا أبتر ، لا يعيش له ولد ذكر ، فأنزل الله تعالى قوله إن شانئك (7) هو الأبتر 8 النضر بن الحارث العبدري: الذي كان يقول : ما أحاديث محمد إلا أساطير الأولين ، وفيه نزل قوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا (9) أولئك لهم عذاب مهين 10 وقتل هذا المشرك على يد علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه ، يوم بدر عقبة بن أبي معيط ، الذي ألقي أمعاء الجزور {11} على ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ساجد أمام الكعبة ، قتل عقبة على يد علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، يوم بدر ومن رؤوس الكفار والمشركين: عمرو بن هشام المخزومي : المكنى بأبي الحكم ، وكناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بأبي جهل ، كان أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو الذي عذب آل ياسر ، فقتل ياسرا وزوجه سمية ، والدي عمار بن ياسر ، رضي الله عنهم ، وكان يقول: لئن سب محمد آلهتنا سببنا إلهه فأنزل الله فيه قوله ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم 12 رأى أبو جهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يصلي ، فنهاه عن فعل ذلك ، فأغلظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، له القول ، فغضب أبو جهل وقال : أتهددني وأنا أكثر النادي {13} معي ؟ فأنزل الله تعالى فيه أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ، أرأيت من كان على الهدى أو أمر بالتقوى ، أرأيت إن كذب وتولى ، ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية (14) ، ناصية كاذبة خاطئة ، فليدع ناديه (15) سندع الزبانية (16) كلا لا تطعه واسجد واقترب 17 الحرث بن قيس السهمي ، الذي كان يأخذ حجرا يعبده ، فإذا رأى أحسن منه تركه ، وعبد الحجر الثاني ، وكان يقول لعنه الله : قد غر محمد أصحابه ووعدهم أن يحيوا بعد الموت ، والله ما يهلكنا إلا الدهر ، وفيه نزلت الآية الكريمة أفرأيت من اتخذ إلهه هواه 18 هلك هذا الكافر بعد أن أكل لحم حوت مملوح ، ولم يزل يشرب الماء حتى مات بالذبحة أمية بن خلف الحجمي : الذي قال لعقبة بن أبي معيط عندما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى طعام فامتنع منه ، إلا أن يشهد أن لا إله إلا الله فقال عقبة : يا عقبة اعترفت بدين محمد ؟ قال : إنما فعلت ما فعلت وقلت ما قلت ليأكل محمد من طعامي ، فو الله لا أحب أن يقال بأن محمدا امتنع من طعام عقبة فقال أمية: وجهي من وجهك حرام ، إن لقيت محمدا فلم تبصق في وجهه ، ونفذ عقبة ما أراد أمية ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، ليزيد في غيظهم وحسرتهم ويوم يعض الظالم على يده يقول ياليتني أتخذت من الرسول سبيلا ، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا (19) خليلا ، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا 20 وقد قتل أمية بن خلف يوم بدر ، على يد بلال الحبشي ، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأسود بن المطلب : ويكني بأبي زمعة ، كان هو وأصحابه يتغامزون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأصحابه فنزل فيهم قوله تعالى إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ، وإذا مروا بهم يتغامزون ، وإذ انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ، وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون 21 وقد مر جبريل عليه السلام ، بالأسود بن المطلب ، فرماه بورقة خضراء ، عندما كان جالسا تحت شجرة فعمي بصره ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب : الذي كان شديد العداوة للإسلام ، لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: يا ابن أخي بلغني عنك أمر ، ولست بكذاب ، فإن صرعتني وغلبتني ، علمت أنك لصادق وكان ركانة قويا لا يصرعه أحد فصرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرات ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى الإسلام ، فقال : لا أسلم حتى تدعو هذه الشجرة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أقبلي " فأقبلت تخذ {22} الأرض فقال ركانة : ما رأيت سحرا أعظم من هذا ، ثم أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فعادت إلى مكانها وغالب الظن أن ركانة هذا مات كافرا |
القرآن المعجز
ضاقت الحيل بالمشركين ، وباءت محاولاتهم في ثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عما جاء به بالفشل الذريع ، ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بعث ليبشر الناس بالدين الجديد ، وليحطم أصنامهم ويبدل عاداتهم وتقاليدهم المنافية للإسلام ، فهو ماض في ذلك ، لا تزعزع عزيمته حيلة أو تعذيب أو اضطهاد ، يعنيه الله عز وجل ، لتتم كلمة الله سبحانه وتعالى ، ولينشر الأمن والسلام ، ويعم الإسلام أرجاء المعمورة ، فما كان من المشركين إلا أن ازدادوا جبروتا وعنادا وأخذوا يصبون جام غضبهم وحقدهم على المسلمين ، وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحاولوا الإساءة إليه بما وصفوه من أوصاف ، كانوا هم أنفسهم يشكون في صحة نسبتها إليه ، وذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما حاولوا التشكيك بالقرآن الكريم ، الذي كانوا إذا سمعوه خشعت قلوبهم وشخصت أبصارهم ، وحاوت عقولهم ، فهم أهل بلاغة وفصاحة ، ولم يسمعوا من قبل بهذا الكلام المعجز ، وها هو الوليد بن الغيرة أحد رؤوس الكفر والشرك ، يجتمع إليه نفر من قريش فيقول لهم: يا معشر قريش ، إنه قد حضر الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم إليكم ، ولا بد أنهم سمعوا بأمر صاحبكم ، فوحدوا فيه رأيكم ولا تختلفوه فيكذب بعضكم بعضا . فقالوا : نقول كاهن . قال الوليد : لا والله ماهو بكاهن ، لقد رأينا الكهان فما هو بكلامهم ولا سجعهم . فقالوا : نقول مجنون . قال الوليد : ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه . فقالوا : نقول شاعر . قال الوليد : ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله ، فما هو بالشعر . فقالوا : نقول ساحر . قال الوليد : ما هو بساحر ، لقد رأينا السحار وسحرهم . فقالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس . قال الوليد والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق {1} ، وما أنتم بقائلين من هذا الشيء إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول فيه ، أن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر ، يفرق به بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته . ثم أمرهم أن يشيعوا هذا بين الناس ، فجعلوا يجلسون بسبل {2} الناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه ، وذكروا لهم أمره . فأنزل الله سبحانه وتعالى في الوليد بن المغيرة الآيات التالية ذرني (3) ومن خلقت وحيدا . وجعلت له مالا ممدودا (4) . وبنين شهودا (5) . ومهدت له تمهيدا . ثم يطمع أن أزيد . كلا إنه كان لآياتنا عنيدا . سأرهقه صعودا (6) . إنه فكر وقدر . فقتل كيف قدر . ثم قتل كيف قدر . ثم نظر ثم عبس وبسر. ثم أدبر واستكبر . فقال إن (7) هذا إلا سحر يؤثر . إن هذا إلا قول البشر 8 كما أنزل الله سبحانه وتعالى في النفر الذين كانوا مع الوليد بن المغيرة ، والذين تفننوا في وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أنزلنا على المقتسمين . الذين جعلوا القرآن عضين (9) . فو ربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون 10 |
إيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لم يكتف المشركون بمخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإيذائه بألسنتهم الخبيثة واتهامه بالسحر والجنون ، وبما كانوا يلقونه على مسامعه من كلام مقذع ، بل حاولوا المكيدة له ، صلى الله عليه وآله وسلم ، للتخلص منه ، على الرغم من أن أبا طالب ، كان يحاول جاهدا أن يمنع الأذى عن ابن أخيه ، ويحميه من غدرهم ، يسانده في ذلك قومه من بني هاشم وبني عبد المطلب . ومن صور الإيذاء التي تعرض لها رسول الرحمة والإنسانية ، والتي لم تزعزع من إيمانه ولم تثبط من عزيمته ، بل مضى غير عابىء بالأهوال والمصاعب ، يدعو قومه إلى الإيمان وإلى خيرهم في الدنيا والآخرة ، صلى الله عليه وآله وسلم . فبينما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الكعبة يصلى ، وجمع من قريش في مجالسهم إذ قال قائلهم : ألا تنظرون إلى هذا المرائي ؟ أيكم يقوم إلى هذا الجزور {1} فيعمد إلى أمعئها ودمها فيجيء بها ثم يمهله حتى إذا سجد وضع ذلك بين كتفيه ؟ فأنبعث أشقاهم عقبة بن أبي معيط ، فأتي النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ساجد فوضع هذه الأقذار بين كتفيه . أما الرسول ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد ثبت على سجوده ، فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض ، وأخبرت فاطمة ابنته فجاءت تسعى حتى وصلت إليه ، فألقت الأقذار عليهم وبدأت تسبهم ، فلما انتهى من صلاته ، صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الهم عليك بقريش" ثم سمى رجالها فقال: " اللهم عليك بعمرو بن هشام ، وعتبة وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعمارة بن الوليد " . وقد سقط هؤلاء جميعهم صرعى يوم بدر . ومن صور التهكم والسخرية برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبما جاء به ، قول عبد العزى بن عبد المطلب المعروف بأبي لهب : يعدني محمد أشياء لا أراها ، يزعم أنها كائنة بعد الموت ، فماذا وضع في يدي بعد ذلك ، ثم ينفخ في يديه ويقول : تبا لكما ، ما أرى فيكما شيئا مما يقول محمد ، فأنزل الله سبحانه وتعالى فيه تبت (2) يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته (3) حمالة الحطب في جيدها (4) حبل من مسد (5) . صدق الله العظيم 6 أما امرأته فلم تكن بأقل من زوجها غيظا على الرسول الكريم ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد سماها الله سبحانه وتعالى : حمالة الحطب ، لأنها كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يمر ، وعندما سمعت أم جميل : حمالة الحطب ، بما أنزل الله سبحانه وتعالى فيها وفي زوجها من القرآن الكريم ، أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، وفي يدها حجر يملأ كفها ، فلما دنت منهما أخذ الله عز وجل ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم تر إلا أبا بكر ، فقالت: يا أبا بكر ، أين صاحبك ، فقد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الحجر فاه {7} . ثم انصرفت ، فقال أبو بكر ، رضي الله عنه : يا رسول الله ، أما تراها رأتك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " ما رأتني ، لقد أخذ الله ببصرها عني " كذلك كان أمية بن خلف إذا رأى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم همزة ولمزة ، فأنزل الله تعالى فيه ويل لكل همزة (8) ولمزة (9) ، الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا ليبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممدودة 10 أما العاص بن وائل السهمي ، فقد كان يسخر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومما وعده ووعد المسلمين من جنات النعيم ، وحدث أن العاص هذا ، اشترى من صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : خباب بن الأرث سيوفا عملها له ، فجاءه خباب يطلب منه ثمن السيوف فقال له : يا خباب أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه ، أن في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب ، أو فضة ، أو ثياب ، أو خدم . قال خباب : بلى . فقال العاص : فأنظرني {11} إلى يوم القيامة يا خباب حتى أرجع إلى تلك الدار فأعيد هناك حقك ، فو الله لا تكون أنت وصاحبك يا خباب آثر عند الله مني ، ولا أعظم حظا في ذلك ، فأنزل الله سبحانه وتعالى فيه أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ، أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا 12 أما أبو جهل ابن هشام ، فقد لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له : والله يا محمد ، لتتركن سب آلهتنا ، أو لنسبن آلهك الذي تعبد فأنزل تعالى فيه ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ، فيسبوا الله عدوا بغير علم 13 فكف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عن سب آلهتهم ، وجعل يدعوهم إلى الله عز وجل . وإليك عزيزي القارىء ، صورا أخرى من صور إيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي تحمل من أهله وعشيرته ما تنوء {14} عن حمله الجبال الراسيات ، ومع ذلك فقد مضى صلى الله عليه وآله وسلم ، غير يائس يدعو أهله وعشيرته إلى الله عز وجل . فها هو النضر بن الحارث ن كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مجلسا ودعا فيه إلى الله تعالى وتلا فيه القرآن ، وحذر فيه قريشا ما أصاب الأمم الخالية ، خلفه في مجلسه إذا قام ، فحدثهم عن رستم وأسفنديار {15} ثم يقول : والله ما محمد بأحسن حديثا مني ، وما حديثه إلا أساطير الأولين ، اكتتبها . فأنزل الله سبحانه وتعالى فيه وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ، قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما 16 كما نزل فيه ويل لكل أفاك أثيم ، يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم 17 وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مجلس يحاور عددا من المشركين بينهم الوليد بن المغيرة والنضر بن حارث فأفحمهم جميعا وغلبهم في الحوار ، ثم تلا عليهم قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب (18) جهنم أنتم لها واردون ، لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون 19 ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأقبل عبد الله ابن الزبعرى حتى جلس ، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعرى : والله ما استطاع النضر بن الحارث أن يفحم ابن عبد المطلب ، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم فقال عبد الله بن الزبعرى : أما والله لو وجدته لخصمته {2.} ، فسلوا محمدا ، أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده ؟ فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عزيرا {21} ، والنصارى تعبد عيسى ابن مريم _ عليهما السلام _ فعجب الوليد ، ومن كان معه في المجلس كيف فاتتهم هذه الفكرة ، ورأوا أنها حجة دامغة ، فنذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : " إن كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده ، إنهم إنما يعبدون الشياطين " ، فأنزل الله سبحانه وتعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون 22 وقد حسد المشركون ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حسدا عظيما ، فهذا الوليد بن المغيرة يقول: أينزل القرآن على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها ؟ ! . ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير سيد ثقيف ، ونحن عظيما القريتين ! فأنزل الله سبحانه وتعالى فيه وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم 23 انظر عزيزي القارىء إلى الجهلة ، وما يعرضون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فبينما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يطوف بالكعبة ، إذ اعترضه الأسود بن المطلب ، والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل السهمي ، فقالوا : يا محمد ، هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، فنشترك نحن وأنت في الأمر ، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد ، كنا قد أخذنا بحظنا منه ، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد ، كنت قد أخذت بحظك منه ، فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين 24 |
الهجرة الأولى
رأى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ما يتعرض له أصحابه من الأذى والبلاء وما هو فيه من العافية ، لمكانته من الله عز وجل ، ولحماية عمه أبي طالب وأنه عليه الصلاة والسلام ، لا يستطيع دفع البلاء عنهم ، رق لحالهم وأشفق عليهم ، ورأى أن يخلصهم مما هم فيه . فقال لهم : " لو خرجتم إلى أرض الحبشة ، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق ، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه " . فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى أرض الحبشة ، مخافة الفتنة ، وفرارا إلى الله بدينهم . فكانت هذه الهجرة أول هجرة في الإسلام . ومن بين هؤلاء الذين فروا بدينهم إلى الحبشة : عثمان بن عفان رضي الله عنه وزوجته رقية بنت رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، والزبير بن العوام بن خويلد ، ومصعب بن عمير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو سلمة بن عبد الأسد وأمرأته ، أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ، وجعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس ، وعمرو بن سعيد بن العاص وأمرأته فاطمة بنت صفوان ، وعبد الله بن جحش وأخوه عبيد الله بن جحش وأمرأته حبيبة بنت أبي سفيان ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم حتى بلغ عدد المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين ما عدا أولادهم الصغار الذين خرجوا مع ذويهم : اثنا عشر رجلا ، وأربع نساء إسلام عمر بن الخطاب قويت شوكة المسلمين ، وفرحوا فرحا عظيما بنصرة النجاشي للمهاجرين إليه ، وخاصة بعد أن أسلم عمر بن الخطاب ، وكان رجلا قويا صلدا لا يخشى أحدا ، وبعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحبشة ، جهر كثير من المسلمين وأصبحوا يصلون في الكعبة ، ولم يكن يستطيعون من قبل أن يصلوا عند الكعبة ، فلما أسلم عمر قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلى المسلمون معه ، وبإسلام عمر ، رضي الله عنه ، استجاب الله عز وجل لدعاء رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال : " اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : عمر بن الخطاب أو عمرو ابن هشام " . أما سبب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فهو أنه كان شديدا على المسلمين كثير العذاب لهم ، يتعرض لهم بالسوء أينما وجدهم . وحدث أن أخته فاطمة بنت الخطاب قد أسلمت ، وأسلم زوجها سعيد بن زيد ، وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر ، وكان نعيم بن عبد الله النحام قد أسلم أيضا ، وكان يستخفي بإسلامه خوفا من قومه ، وكان خباب بن الأرت يذهب إلى فاطمة بنت الخطاب ، يقرئها القرآن ، فخرج عمر يوما متوحشا سيفه يريد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ورهطا {1} من أصحابه ، قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا ، ومع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عمه حمزة بن عبد المطلب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم أجمعين ، وعدد من المسلمين ، ممن لم يخرجوا إلى أرض الحبشة ، فصادفه نعيم بن عبد الله فقال له : أين تريد يا عمر ؟ فقال عمر: أريد محمدا هذا الصابىء {2} ، الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها ، فأقتله . فقال له نعيم : والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر . أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيهم أمرهم {3} ؟ . فقال عمر : وأي أهل بيتي ؟ قال نعيم : صهرك وابن عمك سعيد بن زيد ، وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد أسلما وتابعا محمدا على دينه ، فعليك بهما . عاد عمر قاصدا صهره وأخته ، وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها "طـه" يقرئهما إياها ، فلما سمعوا حس عمر ، نهض خباب واختبأ في ركن من البيت ، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة وخبأتها ، وكان عمر قد سمع حين دنا من البيت قراءة خباب عليهما . فلما دخل قال : ما هذا الكلام الذي سمعته ؟ ! قالا : ما سمعت شيئا . فقال عمر : بلى والله ، لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه . ثم ضرب صهره سعيد بن زيد ، فقامت أخته فاطمة لتمنعه عن زوجها فضربها عمر وشجها {4} . فلما فعل ذلك قالت له أخته وصهره : نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك . فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ، ندم على ما صنع ، ورجع إلى رشده ، وقال لأخيه : أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤونها ، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد . فقالت له أخته : إنا نخشاك عليها . فقال عمر : لا تخافي ، وحلف لها بآلهته ، ليردنها إذا قرأها إليها . فطمعت فاطمة في إسلامه وقالت له : يا أخي ، إنك نجس على شركك ، وإنه لا يمسها إلا الطاهر ، فقام عمر فاغتسل ، فأعطته الصحيفة قرأها فلما قرأ منها شيئا قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ! عندئذ خرج خباب إليه وقال له : يا عمر ، والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه ، فإني سمعته أمس وهو يقول : " اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : عمر بن الخطاب أو عمرو ابن هشام " . فقال عمر عند ذلك : فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم ن فقال له خباب : هو في بيت عند الصفا ، ومعه رهط من أصحابه ، فانطلق عمر متوشحا سيفه إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فضرب عليهم الباب ، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فنظر من شق الباب فرآه متوشحا السيف ، فرجع إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو فزع وقال : هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف . فقال حمزة بن عبد المطلب : دعه يدخل ، فإن كان يريد خيرا بذلناه له ، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه ، فلما دخل ، نهض إليه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخذ بجمع ردائه ، ثم جبذه {5} جبذة شديدة . وقال : ما جاء بك يا ابن الخطاب ؟ فو الله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة {6} . فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، جئتك لأؤمن بالله ورسوله ، وبما جاء من عند الله فكبر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم أن عمر قد أسلم . فتفرق أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم من مكانهم ، وقد أخذتهم العزة في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة ، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أسلم بعد تسع وثلاثين رجالا ، وثلاثة وعشرين امرأة ، وذلك في السنة السادسة من البعثة النبوية انشقاق القمر بعد أن رأى المشركون أن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يستجيب إلى مطالبهم التي عرضوها عليه كما رأينا في القصة السابقة ، ورغم العذاب الذي لحق أصحابه والأذى الذي لحقه هو نفسه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، دخلوا عليه من باب آخر ولجؤوا إلى أسلوب التعجيز فطلبوا منه آيه أو برهانا على صدق دعوته وقالوا: إن كنت صادقا في دعواك ، فأتنا بآية نطلبها منك ، وهي أن تشق لنا القمر فرقتين ، فأعطاه الله تعالى هذه المعجزة وانشق القمر فرقتين ، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : " اشهدوا " . وقد ذكر القرآن خبر انشقاق القمر إذ قال سبحانه وتعالى اقتربت الساعة وانشق القمر 7 وعندما رأى المشركون المعاندون هذه المعجزة الكبرى قالوا: لقد سحركم ابن أبي كبشة فأنزل الله تعالى قوله فيهم وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر 8 ولكن كيف يرجى الإيمان ممن قالوا اللهم إن كان هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء أو أتنا بعذاب أليم 9 ولو كان فيهم خيرا لقالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق فاهدنا إليه |
الهجرة الثانية إلى الحبشة
لما عجزت قريش عن مقاومة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بالحجة والبراهين ، لجأت إلى تصعيد العنف والقوة ضد المسلمين وخاصة منهم هؤلاء الذين عادوا إلى مكة قادمين من الحبشة بعد أن سمعوا بإسلام حمزة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، كما أنهم سمعوا أن أهل مكة قد أسلموا ، فعادوا فرحين بإسلام قومهم ، إلا أنهم عرفوا باطل ما سمعوا عندما وصلوا إلى مشارف مكة المكرمة . وكان النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم قد جلس مع المشركين فأنزل الله سبحانه وتعالى عليه والنجم إذا هوى (1) ، ما ضل صاحبكم (2) وما غوى ، وما ينطق عن الهوى إن هو إلى وحي يوحي علمه شديد القوى ذو مرة (3) فاستوى (4) وهو بالأفق الأعلى 5 وتابع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم فأكملها فسجد وسجد معه كل من كان هناك من المسلمين والمشركين ، فظن بعضهم أن المشركين قد أسلموا ، وعندما رأى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ما حل بالمسلمين من أصحابه من سوء العذاب ، أمرهم أن يهاجروا إلى الحبشة . فقال له عثمان بن عفان ، رضي الله عنه وكان من العابدين : يا رسول الله هاجرنا المرة الأولى ، وهذه المرة الثانية إلى النجاشي ، ولست معنا . فأجابه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : " أنتم مهاجرون إلى الله وإلي فلكم هاتان الهجرتان جميعا " فقال عثمان : فحسبنا يا رسول الله رسولا قريش إلى النجاشي غضبت قريش لما رأت أن أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم قد هاجروا وتركوا مكة إلى الحبشة حيث وجدوا الأمن والاطمئنان وأصابوا الدار والقرار ، فاجتمع رؤوس الكفر والشرك فيها وقرروا أن يبعثوا رجلين من قريش قويين جلدين إلى النجاشي ملك الحبشة ، الذي كان يدين بالنصرانية ، ليحاولوا إعادة المسلمين إلى مكة ويخرجوهم من دارهم التي أطمأنوا بها وسكنوا إليها فأرسلوا عبد الله بن أبي ربيعة {6} وعمر بن العاص بن وائل ، وجمعوا لهما هدايا ثمينة للنجاشي ، ثم بعثوهما إليه . وعن رسولي قريش هذين ن تروي لنا المهاجرة أم سلمة بنت أبي أمية التي تزوجها رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، قصتهما فتقول : لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار ، أمنا على ديننا ، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه ، فلما بلغ ذلك قريشا ن ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي رجلين منهم جلدين ، وأن يهدوا النجاشي هدايا ثمينة من مكة فبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص ، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق من بطارقة النجاشي هديته ن قبل أن تكلما النجاشي فيهم ، ثم قدما إلى النجاشي هداياه ، ثم اسألاه أن يسلم المسلمين إليكما قبل أن يكلمهم . ففعل الرسولان مثل ما أمرا وقالا لكل بطريق منهم : إنه قد لجأ إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاؤوا بدين مبتدع ، لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إلى الملك أشراف قومهم لنردهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم ، فاشيروا عليه أن يسلمهم إلينا . فقالوا لهما : نعم ثم أن الرسولين قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ، ثم كلماه وقالا له : أيها الملك ، إنه قد لجأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاؤوا بدين ابتدعوه ، لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لنردهم إليهم . فقالت بطارقة الملك : صدقا أيها الملك العظيم ، فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم . فغضب النجاشي وقال : لا والله لا أسلمهم إليهما ، فقد جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي ، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم ، فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم . ثم أرسل النجاشي إلى أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما جاءهم رسوله ، اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون للملك إذا جئتموه ؟ قالوا: نقول ما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، وليكن من شأننا ما يكون ، فلما وقفوا أمام النجاشي ، سألهم فقال ك ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا به في ديني ، ولا في دين أحد ؟ فقال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه : أيها الملك كنا في الجاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي بالفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف حتى بعث الله عز وجل إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونترك ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم {7} ، وحسن الجوار ن والكف عن المحارم ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده ، لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ، فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به من الله ، لكن قومنا عذبونا ، وحاولوا ردنا عن ديننا ، إلى عبادة الأوثان ، فلما اشتد عذابهم لنا ولم يبق لنا حيلة في أمرنا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك . فقال النجاشي : هل معك شيء مما جاءكم به رسولكم ؟؟ قال جعفر بن أبي طالب : نعم . فقال له النجاشي : فاقرأه علي . فقرأ جعفر عليه شيئا من سورة مريم . والنجاشي يصغي حتى أسبلت عيناه بالدموع وابتلت لحيته . ثم قال لهم : إن هذا والذي جاء به عيسى لمن كلام الله تعالى ، انطلقوا فلا والله لا أسلمكم لأحد أبدا . ثم حاول رسولا قريش أن يوغروا صدر النجاشي ، بما يقوله المسلمون عن عيسى عليه الصلاة والسلام ، من أنه عبد من عباد الله ، أرسله هاديا للناس ، فلم يلتفت إليهما النجاشي وخرجا من عنده مطرودين . هذا وبعد الهجرة إلى الحبشة وعودة من عادوا بدأت قريش خطة جديدة في مقاومة النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي ثبت مع أصحابه وقاوم إغراءات قريش وأساليبها الوحشية ، إلى أن أعلنت قريش عن فرض المقاطعة التامة وكتبت في ذلك صحيفة علقتها على أستار الكعبة |
ازدياد المسلمين
بعد خروج المسلمين من شعب أبي طالب ، ووصول خبر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى الحبشة عن طريق المهاجرين إليها ، قدم من نجران وفد من النصارى ، مؤلف من عشرين رجلا ، وقصدوا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي قرأ عليهم القرآن الكريم فأعلنوا إسلامهم جميعا وانتشر خبرهم في البلد الحرام ، حتى لقيهم أبو جهل فقال لهم : ما رأيت جماعة أحمق منكم ، أرسلكم قومكم لتعلموا خبر هذا الرجل فصبأتم {1} . فقالوا له : سلام عليك يا أبا جهل ، لك دينك ، ولنا الدين القويم الذي اخترناه فإننا سمعنا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فآمنا . وفيهم نزل قوله تعالى الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون . وإذا تتلي عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين . أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون (2) بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون .وإذا سمعوا اللغو (3) أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين 4 ثم وبعد أن غادر وفد نجران مكة المكرمة عائدا إلى بلاده ، وصل إليها زعيم من زعماء الدوسيين وهو الطفيل بن عمر الدوسي ، فهرع إليه بعض رجال قريش ، يحذرونه من الاجتماع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم . قائلين له : إننا نخشى عليك وعلى قومك سحر محمد وعذوبه كلامه . فأجابهم بقوله : لا عليكم فأنا شاعر وسأغدوا إليه ، وأستمع إلى حديثه فإن أعجبني آمنت به ، فذهب إلى المسجد ، ورأى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، قائما يصلي ، فاستمع إلى تلاوته فأعجبه ، ثم عرض عليه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الإسلام وقرأ عليه شيئا من القرآن ن فوقع في قلبه ، موقع الماء البارد في جوف الظمآن ، فأعلن إسلامه ، ثم غدا إلى قومه ، فدعا أباه وزوجه إلى الإيمان بالله ورسوله فآمنا ، ثم دعا قومه الذين استجابوا له بعد أن دعا لهم الرسول الكريم ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن هؤلاء الذين آمنوا من بني دوس : أبو هريرة بن صخر الدوسى ، الصحابي الجليل عام الحزن جتمعت الأحزان على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فهو لم يكد يخرج من الشعب حتى توفيت أم المؤمنين السيدة : خديجة بنت خويلد الأسدية ، زوج رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم وذلك قبل الهجرة بثلاث سنوات ، فحزن عليها ونزل في حفرتها ودفنها بيده الشريفة في منطقة الحجون ، وبفقد خديجة رضي الله عنها ، فقد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة الوفية المخلصة ، التي آمنت به ورعته وواسته ووقفت إلى جانبه في محنته تخفف عنه بعض ما يعانيه من أذى المشركين ، ولهذا كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم يثني عليها كثيرا ويذكرها بالخير ، فهي رضي الله عنها أم أولاده ك زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة الزهراء والقاسم وعبد الله الملقب بالطيب والطاهر ، رضي الله عنهم أجمعين ولم يأته ولد من غيرها ، سوى إبراهيم من مارية القبطية . ولهذا كله ووفاء منه ، صلى الله عليه وآله وسلم بشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب {5} . ثم وبعد أيام معدودة من وفاة خديجة رضي الله عنها ، توفي عمه أبو طالب بن عبد المطلب ، الذي كان كريما في مروءة وشرف ، ونخوة وحمية ، وعطف وحنان ، ورأفة وشفقة ، كل هذه الصفات الحميدة ، جعلت أباه عبد المطلب يوصيه بكفالة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم من بعده وكان أبو طالب يحب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يكاد يفارقه أبدا في حله وترحاله ، وبقي في بيته حتى تزوج من خديجة رضي الله عنها ، ووقف أبو طالب بجانب ابن أخيه عندما بعث ، يمنعه من أذى المشركين ويحميه من اعتداءاتهم ، وكان لا يكذب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ن فيما جاء به ، ويصدقه فيما يقول ، ولكنه لم ينطق بالشهادتين ، رغم إلحاح رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عليه للنطق بهما عندما اشتد به المرض ، وكان بعض المشركين أثناء ذلك يقولون له : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فيجيبهم قائلاك على ملة عبد المطلب ؟ لكن أبا طالب أوصى قومه قبل وفاته قائلا: [ لن تزالوا بخير ما سمعتم قول محمد واتبعتم أمره ، فاتبعوه وصدقوه ترشدوا ] فقالوا له : يا أبا طالب إنك تعلم مقامك عندنا وتعلم ما بيننا وبين ابن أخيك ، فادعه أن يكف عنا فنكف عنه ، وليدعنا وديننا ولندعه ودينه . فأرسل إليهم وقال : يا ابن أخي هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليعطوك وليأخذوا منك . فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " يا عم كلمة واحدة تعطونها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم " . فقال أبو جهل : نعم وأبيك وعشر كلمات . فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " تقولون لا إله إلا الله ، وتخلعون ما تعبدون من دونه " فقالوا: يا محمد أتريد أن تجعل الآلهة إلها واحدا ، إن أمرك لعجب ، ثم إن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم كرر دعوة عمه إلى الإيمان . فقال أبو طالب : يا ابن أخي لو لم تظن قريش أني قلتها جزعا من الموت لقلتها حتى أسرك . وحزن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، حزنا عميقا على عمه أبي طالب ، فقد فقد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم المدافع عنه ، والذي أرخص نفسه في سبيل منع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم من أذى المشركين وتكذيبهم له ن ولهذا سمي النبي ن صلى الله عليه وآله وسلم ، العام الذي توفيت فيه خديجة وأبو طالب ك عام الحزن ، وانتهز المشركون هذه الفرصة السانحة ، لينالوا من رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وليزدادوا من آذاهم له ن حتى نثروا التراب على رأسه عندما أراد أن يدخل بيته ، فقامت إليه إحدى بناته تغسله وتبكي . فقال لها رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تبكي يا بنية إن الله مانع أباك " . وأضاف قائلا: ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب |
طلب النصرة من ثقيف
لما مات أبو طالب ، فقد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، المعين والنصير ن واستطاعت قريش أن تنال من رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ما لم تستطع أن تناله قبل موت عمه ، فازداد أذى المشركين له ن وتجرأ كثير منهم على إظهار العداوة والكره بعد أن كانوا يخفونها خوفا من أبي طالب ، ولهذا كله قرر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم الخروج إلى الطائف ، عله يجد نصيرا ومعينا في أهلها ، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل ، وخرج معه زيد بن حارثة مولاه ، وسارا حتى وصلا إلى الطائف فقصدا نفرا من ثقيف ن كانوا سادة القوم وأشرافهم وهم ك عبد ياليل بن عمرو ومسعود بن عمرو وحبيب بن عمرو ، وكانوا أخوة ، وعند أحدهم أمرأة قريشية من بني جمح ، فجلس إليهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وعرض عليهم ما جاء به ودعاهم إلى الإيمان بالله تعالى ن الواحد الأحد ، والتمس منهم العون والنصرة على نشر الإسلام ، والقيام معه على من خالفه من قومه . فقال له أحدهم : سأمزق ثياب الكعبة ن إن كان الله أرسلك . وقال الآخر : أما وجد الله أحدا يرسله غيرك ؟ وقال الثالث ك والله لا أكلمك كلمة أبدا ن لئن كنت رسولا من الله كما تقول ، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك فقام النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، حزينا كئيبا بعد أن سمع ما سمع من زعماء ثقيف ، ثم طلب منهم أن يكتموا حديثه فلا ينشروه ويخفوا أمر مجيئه إليهم عن قومه من قريش ، حتى لا تتجرأ قريش في زيادة الأذى له ، صلى الله عليه وآله وسلم . لكن القوم لم يستجيبوا لرغبته لا بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم وصبيانهم ، فخرجوا خلفه يسبونه ويصيحون به ، حتى اجتمع الناس عليه ، ومن ثم أخذوا يرمونه بالحجارة حتى أدموا رجليه وامتلأت نعلاه بالدم ، وزيد مولاه يحاول أن يمنع الحجارة عنه ، صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن انتهي إلى بستان ، كان ملكا لعتبة وشيبة ابني ربيعة ، وكانا فيه ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف ، ومر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بالمرأة الجمحية القرشية ، فقال لها : " ماذا لقينا من أحمائك " ؟ . وكأنه ، صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها :انظري ما حل بي من زوجك وسفهاء أهل زوجك وعندما سكنت نفسه واطمأن قلبه ، تحت ظل شجرة ن التجأ رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله عز وجل وتوجه إليه بهذا الدعاء اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي إلى من تكلني {1} ؟ أإلى بعيد يتجهمني {2} ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ظ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو تحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك وهنا دبت الغيرة على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، في نفس عتبة وشيبة ابني ربيعة ، واشفقا عليه لما أصابه من أهل ثقيف ، فأرسلا مولى لهما اسمه : عداس وكان نصرانيا ، وأمراه أن يقطف له بعض العنب ويقدمه له ، فلما وضع عداس العنب بين يدي رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، مد يده الشريفة وقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم أكل . عندئذ قال عداس : والله هذا الكلام لا يقوله أحد من أهل هذه البلاد ، فسأله النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، من أي البلاد هو ؟ فأجابه ك من نصارى نينوى {3} فقال النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم : " أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى " ؟ فقال عداس : وما علمك بيونس ؟ فتلا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم خبر يونس في القرآن الكريم وقال له : " ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي " . فارتمى عداس على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، يقبل رأسه ويديه . وعندما رأى شيبة وعتبة ما يفعل عداس ، قال شيبة : والله لقد فسد هذا الغلام ، ولا أظنه إلا قد صبأ {4} ، وعندما عاد إليهما قالا له : ويلك يا عداس ، مالك تقبل هذا الرجل ؟ . فقال عداس : ما في الأرض شيئا خير من هذا ، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي . فقالا له ك إنا نخشى أن يصرفك عن دينك ، فإن دينك خير من دينه ، وما يقوله إلا كذب وافتراء . وفيهم أنزل الله تعالى ردا عليهم قوله وقال الذين كفروا إن هذا (5) إلا إفك (6) افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلما وزورا 7 وتخفيفا من الله عز وجل على نبيه ورسوله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أرسل إليه جبريل عليه السلام الذي قال له ك إن الله أمرني أن أطيعك في قومك لما صنعوه بك ن إذا شئت أغرفتهم ، وإذا شئت أطبقت عليهم الأخشبين {8} . ولكن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يرض أن ينتقم لنفسه ، ولم يكن بما يتمتع من أخلاق رفيعة سامية ، أن يدعو على قومه ، بل قال : " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " . ومضى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، نحو مكة وفي الطريق إليها توقف ليلا ليأخذ قسطا من الراحة ، فقام يصلي ويقرأ القرآن ، فوفد عليه نفر من الجن يستمعون إليه ، فلما فزع آمنوا به ورجعوا إلى قومهم منذرين يبلغونهم الخبر ، وقد قص الله سبحانه وتعالى نبأهم فقال وإذا صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم 9 ولما أشرف رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ن على الوصول إلى مكة وأراد دخولها ، قال له زيد: كيف يا رسول تعود إلى مكة وقد خرجت منها طالبا العون من الثقيف والتي أشاعت خبرك وما لقيت فيها؟. فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجا " ثم طلب الجوار {10} من بعض أهل قريش فرفضوا ، إلا أن المطعم بن عدي النوفلي أجابه إلى ذلك ، فوقف عند أركان البيت الحرام وقال : يا معشر قريش إنني أجرت محمدا ليبلغ رسالة ربه ، فلا يهجه أحد منكم . فدخل رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت الله الحرام فصلى ركعتين ثم انصرف إلى بيته ليستأنف نشر رسالته التي بعث من أجلها ، فكان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم يعرض نفسه في مواسم الحج على القبائل العربية |
عرض الإسلام على القبائل
كانت الكعبة مهوى أفئدة العرب ، يحجون إليها من كل حدب وصوب ، حيث إنهم يقدسونها لأنهم يعلمون أنها من بناء إبراهيم الخليل وولده إسماعيل عليهما السلام ، وكانوا ينزلون في الأسواق تقام في أوقات معينة كسوق عكاظ وذي مجاز وذي المجنة ، فكان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ينتهز فرصة قدوم العرب إلى هذه الأسواق ، لينشر الدعوة فيما بينهم ، فوقف على قبيلة كندة {11} ، ودعاهم عليه السلام إلى الله تعالى وعرض نفسه عليهم ، فلم يقبلوا ما عرض عليهم ، ثم وقف على قبيلة بني حنيفة فدعاهم إلى الله ، فكان ردهم قبيحا ، ثم وقف على قبيلة بني عامر ودعاهم إلى الإيمان بالله عز وجل فرفضوا . إلى أن هيأ الله عز وجل له قبلتي الأوس والخزرج سكان مدينة يثرب ، الذين سموا فيها بعد الأنصار ، والذين حضروا مواسم الأسواق ، فالأوس كانت من ولد أوس ، والخزرج كانت من ولد خزرج ، وأوس وخزرج أخوان ، وكانت بين أولادهما عداوة كثيرا ما تنتهي بإعلان الحرب ، وكان يجاورهم في المدينة أقوام من اليهود يعرفون باسم : بني قينقاع ، وبني قريظة وبني النضير ، ولما اشتد الخلاف بين الأوس والخزرج ، حالف الأوسيون بني قريظة ، وحالف الخزرجيون بني قينقاع وبني النضير ، وكان يوم بعاث آخر يوم قتالهم حيث لم يبق من زعمائهم سوى عبد الله بن أبي ابن أبي سلول الخزرج ، وأبو عامر الراهب الأوسي ، وعندما دعاهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى الإيمان بالله ، رأوا في ذلك خلاصا مما هم فيه ، فقد سار رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم حتى وصل إلى جمرة العقبة ، والتقى هناك مع عرب يثرب الذين كانوا كلهم من الخزرج ، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله تعالى وتلا عليهم القرآن فقالوا لبعضهم : يا قوم إنه والله النبي المنتظر الذي تكلم عنه اليهود ، فلا يسبقنكم إليه أحد . فصدقوا وآمنوا بما جاء به ، ثم واعدوه أن يرجعوا إليه ، بعد أن يعرضوا أمره على قومهم ، وعندما وصلوا إلى المدينة كانت أخبار رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم قد سبقتهم ، فدعوا أهلها إلى الإسلام حتى انتشر فيهم ن وعندما حان الموعد المحدد ، خرج من المدينة اثنا عشر رجلا بين خزرجي وأوسي فرحين مبتهجين بلقاء رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم وفي العقبة تم اجتماعهم برسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فجددوا إسلامهم ، وبايعوه بيعة العقبة الأولي ، على أن لا يشركوا بالله شيئا ن ولا يسرقوا ، ولا يزنوا ، ولا يقتلوا أولادهم ، ولا يأتوا ببهتان ، ولا يعصوه في معروف . ولما أرادوا الرجوع إلى أهلهم طلبوا من رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يبعث معهم من يعلم القرآن والإسلام ، فبعث معهم مصعب ابن عمير رضي الله عنه ، الذي أخذ بدوره ينشر الإسلام في دور المدينة ، حتى لم يبق بيت لم يدخل الإسلام فيه . ثم أن أهل المدينة عقدوا العزم على أن يذهبوا إلى أهل مكة ويدعوا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم للانتقال إلى بلدهم ن فإلى متى يطوف على القبائل ؟؟ وإلى متى يلقى من بعضهم الأذى ن فغادر المدينة مؤلف من ستين خزرجيا ، وأحد عشر أوسيا ، وامرأتان وهما : نسيبة بنت كعب النجارية ، وأسماء بنت عمرو السليمة ، وذلك في العام الذي تلي البيعة الأولى ، ثم اتصلوا بالنبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، سرا عن طريق مصعب بن عمير ، في شعب {12} القصبة ليلا . وكان مع النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عمه العباس بن عبد المطلب ، وهو على دين قومه ، إلا أنه كان يريد أن يطمئن على ابن أخيه حيث قال ك يا معشر الخزرج ، يا معشر الأوس ، إنكم لتعلمون أن محمدا منا وهو في عز ومنعة ، وإنه قد اطمأن إليكم ، فإن كنتم ترون أنكم تفون له بما وعدتموه فأنتم وذلك ن وإن كنتم ترون أنكم خاذلوه فدعوه فإنه في عز ومنعة ، ثم إن النبي ن صلى الله عليه وآله وسلم . دعاهم إلى الله تعالى وتلا عليهم شيئا من القرآن وقال : " أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم " فقال البراء بن معرور : نعم ، فو الله الذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه نساءنا وأبناءنا ، فبايعنا يا رسول الله ، فنحن والله أبناء الحروب لا نخشى الموت في سبيل الله . ووقف أحد الأنصار وقال : يا رسول الله إن بيننا وبين اليهود عهود ومواثيق وإنا قاطعوها ، فهل تتركنا وتدعنا إن نصرك الله تعالى ؟ فتبسم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال : " بل الدم الدم ، والهدم الهدم {13} " ثم تقدم آخر وقال : يا معشر الخزرج ، إنكم تبايعون رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، على حرب الأحمر والأسود من الناس ، فإن كنتم ترون أنكم إذا أنهكت أموالكم وأصيب أشرافكم أسلمتموه وخذلتموه فمن الآن ، فهو الله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة . فقالوا : فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف . ثم قالوا : ابسط يدك يا رسول الله ، فبسط يده الشريفة فبايعوه مصافحة ، أما المرأتان فقد بايعهما رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بدون مصافحة ، وسميت هذه البيعة بيعة العقبة الثانية . وفي الصباح انتشر خبر البيعة ، فتوجهت جماعة من قريش إلى منازل الأنصار وقالوا لهم : يا معشر الخزرج بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا تخرجونه من أرضنا وتبايعونه على حربنا ؟ فانبعث رجال من الخزرج لم يحضروا البيعة ولم يخبروا بها ، وجعلوا يحلفون أنهم لم يفعلوا شيئا من هذا ، ثم توجه القرشيون إلى عبد الله بن أبي ، الذي رشح ليكون ملكا على الخزرج ، والذي قال عندما سمع بالنبأ : إن هذا الأمر جسيم ، وما كانوا قومي ليفعلوا شيئا دون علمي ، أما المسلمون من الأنصار والخزرج فقد أمرهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يرحلوا مسرعين إلى المدينة قبل أن يلحق بهم المشركون |
الإسراء والمعراج
أراد الله عز وجل ن بعد وفاة خديجة بنت خويلد ، رضي الله عنها ، وأبي طالب ، وبعد عودة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، من الطائف حزينا كئيبا ن أن يخفف بعض أحزانه ، فأيده بمعجزة الإسراء والمعراج {1} ، فقد استيقظ رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ذات صباح ن ودعا إليه أم هانئ بنت أبي طالب ، أخت علي بن أبي طالب ، وأخبرها بقصة الإسراء والمعراج ، كما أعلمها أنه يريد إخبار قومه ، علهم يعودون إلى رشدهم ، لكن أم هانئ ناشدته ألا يخبر قومه خوفا عليه من تكذيبهم ، وأمسكت بردائه تريد أن تمنعه ، إلا أنه ن صلى الله عليه وآله وسلم ، مضي دون أن تراه عندما سطع نور عند فؤاده كاد يخطف بصرها ، والتقي مع نفر من قريش ن فيهم أبو جهل ومطعم بن عدي . فقص رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، خبر الإسراء ، فقال أبو جهل : أتحدث قومك بمثل ما تحدثني ؟ فأجاب : "نعم" . وعندما حضر القرشيون ، سمعوا ما قاله رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فجعل بعضهم يصفق ن ووضع بعضهم يده على رأسه تعجبا ، ثم قال المطعم : والله إن أمرك لعجيب ، فنحن نقضي شهرا كاملا في الذهاب إلى بيت المقدس ، وشهرا آخر في الإياب ، وأنت تزعم أنك أتيته في ليلة واحدة ن واللات والعزى لا أصدقك ، أما أبو بكر الصديق ، رضي اله عنه ن وقد سمع ما قاله المطعم ، وقف قائلا : يا مطعم بئس ما قلت لابن أخيك ، فو الله أشهد أنه لصادق ، وإني لأصدقه فيما أبع من ذلك ، ثم طلب المشركون من رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يصف لهم بيت المقدس وكان بعضهم يعرفه ، فوصفه لهم وصفا دقيقا ، وأبو بكر {2} ، رضي الله عنه ، يقول عن كل صفة وصفها : أشهد أنك رسول الله ، عندئذ قالوا : أما النعت {3} فقد أصبت فأخبرنا عن عير {4} لنا قادم من الشام ، فأخبرهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بخبر القافلة التي يتقدمها جمل أورق {5} ، كما أخبرهم أنها ستصل يوم كذا مع طلوع الشمس . وعندما خرجوا ينتظرون وصول القافلة مع طلوع الشمس قالوا عندما رأوها : إن هذا سحر مبين وقد أنزل الله سبحانه وتعالى قوله في ذكر الإسراء سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير 6 أما في معراج رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ن إلى السماوات العلي ، ومروره بالأنبياء عليهم السلام ، فقد فرضت الصلاة على المسلمين ، خمس صلوات في كل يوم وليلة ن بعد أن كانت قبل المعراج: ركعتين في الصباح وركعتين في المساء أما عبادة الليل فكانت مقتصرة على ترتيل القرآن الكريم ، وفي صبيحة الإسراء بين جبرائيل عليه السلام لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، كيفية الصلاة ولذلك قال ، صلى الله عليه وآله وسلم : " صلوا كما رأيتموني أصلي " كما أن جبرائيل عليه السلام ، علم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أوقات الصلاة |
هجرة المسلمين
اشتد أذى المشركين لأصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانوا بين مفتون في دينه وبين معذب في أيديهم ، وبين هارب في البلاد فرارا بدينه ، واستمر المشركون في تكذيب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، واتهامه بالسحر والجنون ، عندئذ أمر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أصحابه ومن معه بمكة من المسلمين ، بالخروج إلى المدينة المنورة ، أو الهجرة إليها والالتحاق بإخوانهم من الأنصار ، بعد أن دخل عدد كبير منهم في الإسلام ، وبايعوا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، على النصرة والتأييد وقال لهم : " إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودورا تأمنون بها " وكان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، قبل بيعة العقبة ، لم يؤذن له في الحرب ، ولم تحلل له الدماء ، إنما كان يؤمر بالدعاء إلى الله تعالى ، والصبر على الأذى ، والصفح عن الجاهل ، كقوله تعالى فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم 1 وأخذ المسلمون يخرجون من مكة أرسالا {2} خوفا من قريش وحذرا من أن تمنعهم من الهجرة ، وكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ، وكان بأرض الحبشة ، والذي فرق المشركون بينه وبين زوجه وطفله ، عندما منع زوجته أم سلمة من الهجرة إلى المدينة ، ثم أطلقوا سراحها ، وتتابع المهاجرين إلى المدينة فرارا بدينهم لا يبغون سوى مرضاة الله ، فهم قد فارقوا أوطانهم ، وتركوا عشائرهم ، وابتعدوا عن آبائهم وأبنائهم ، ومن بين الذين هاجروا إلى المدينة : عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، والذي خرج بشكل علني ، متوشحا سيفه ، حتى جاء وطاف حول البيت . ثم نادى : من أراد أن تفقده أمه ، أو يجعل زوجه أرملة ، أو ولده يتيما فليتبعني إلى هذا الوادى فإني مهاجر إلى يثرب {3} . وخلت مكة المكرمة من المسلمين ، ولم يبق فبها إلا أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وزيد بن حارثة وبعض المسلمين المستضعفين ، ينتظرون الفرج من الله تعالى . ومكث رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، في مكة ينتظر الإذن بالهجرة ، أما المسلمون المهاجرون ، فقد تابعوا مسيرهم من مكة حتى وصلوا إلى قباء {4} ونزلوا ضيوفا بل اخوة مكرمين عند المسلمين من الأنصار مكر المشركين أذن الله تعالى لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم، بالهجرة إلى المدينة المنورة ، بعد أن هاجر إليها أكثر أصحابه ، عدا علي بن أبي طالب ، وأبي بكر الصديق ، الذي كان يستأذن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بالهجرة ، فيقول له : " لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا " . وقد ألهم الله سبحانه وتعالى رسوله أن يدعو بهذا الدعاء وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا 5 وأدركت قريش الخطورة التي تكمن وراء هجرة المسلمين إلى المدينة ، وكثرة عددهم بدخول أهل يثرب في الإسلام ، عندئذ حرصت قريش كل الحرص على منع خروج رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إليهم فعقدوا اجتماعا في دار الندوة ، وهي دار قصي بن كلاب ، ليشاوروا فيما يصنعون في أمر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وحضر الاجتماع هذا كبار زعماء قريش ومنهم : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو سفبان بن حرب ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف الجمحي ، وغيرهم والذين قالوا لبعضهم : إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم ، فإنا والله لا نأمنه على الوثوب علينا فيمن اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا . فقال قائل منهم : احبسوه في الحديد ، وأغلقوا عليه بابا ، حتى ينال جزاءه مثلما حدث لغيره من الشعراء . وقال الآخر : لا والله ، ما هذا لكم برأي ، والله لئن حبستموه كما تقولون ، ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه ، فلا نأمن عندئذ أن يثب علينا أصحابه ، فينتزعوه من بيننا . وقال الآخر : أما أنا فأري أن نخرجه من بيننا ، فننفيه من بلادنا ، فإذا أخرج عنا ، لا نبالي أين ذهب ولا حيث وقع . فقال أحدهم : لا والله ما أحسنتم الرأي حتى الآن ، وما هذا لكم برأي ، ألم تروا حسن حديثه ، وحلاوة منطقه ، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به ، والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ، فيؤمنوا به ، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأ {6} أرضكم . عندئذ نهض أبو جهل فقال : والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد . قالوا : وما هو يا أبا الحكم ؟ قال : أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جلدا {7} وسيطا {8} ، ثم نعطي كا فتى منهم سيفا صارما {9} ، ثم يعمدوا إليه ، فيضربوه ضربة رجل واحد ، فيقتلوه ، فنستريح منه . فإنهم إن فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا فرضي القوم بهذا الرأي ، ثم تفرقوا |
نزول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دار أبي أيوب الأنصاري
توجه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد قباء ، إلى المدينة المنورة ، فأدركته الجمعة في وادي بني سالم بن عوف ، فصلاها بهم ، وخطب فيهم أول خطبة له ، ثم وبه انتهائه من صلاة الجمعة ، ركب ناقته وتابع سيره ، وكان كلما مر بحي من أحياء الأنصار ، طلب منه أهلها النزول والمقام عندهم . فقد جاءه رجال من بني سالم بن عوف ، وقالوا : يا رسول الله ، أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " خلو سبيلها ، فإنها مأمورة {1} " فانطلقت الناقة حتى تلقاه رجال من بني بياضة . فقالوا : يا رسول الله ، هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " خلو سبيلها ، فإنها مأمورة " . فانطلقت ، إلى أن مرت بدار بني ساعدة ، فاعترضه سعد بن عبادة وغيره من رجال بني ساعدة ، فقالوا : يا رسول الله ، هلم إلينا ، إلى العدد والعدة والمنعة ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " خلو سبيلها ، فإنها مأمورة " . كذلك دعاه غير هؤلاء إلى الإقامة عندهم ، وكان يقول لهم مثلما قال لغيرهم ، إلى أن أتت الناقة دار بني مالك بن النجار ، فبركت على مبرد {2} يملكه غلامان يتيمان من بني النجار حتى استقرت في هذا المكان ، عندئذ نزل رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فحمل أبو أيوب واسمه خالد بن زيد ، رحله ، فوضعه في بيته ، ونزل عليه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم سأل عن المبرد لمن ؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو يا رسول الله لسهل وسهيل ابن عمرة ، وهما يتيمان . فأمر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يبني في المربد مسجد ، وذلك بعد أرضى صاحبيه اليتيمين ، وساهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بنفسه في بناء المسجد ، ليرغب المسلمين في العمل ، فعمل فيه المهاجرون والأنصار حتى أتموا بناءه . عندئذ انتقل ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى مساكنه التي كان بعضها مبنيا بالطين ، وبعضها مبنيا بالحجارة ، وكلها كانت مسقوفة بالجريد {3} أما سريره فقد كان من الخشب المشدود بالليف حب رسول الله الأنصار كان الأنصار يحبون رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يحبهم ، حتى كان صغارهم يضربون بالدفوف {4} ، فلما سألهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عن سبب فعلهم هذا ، قالوا : لحبنا لك يا رسول الله . فقال لهم : " وأنا والله أحبكم " . وقال : " خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل ثم بنو الحارث ، ثم بنو ساعدة ، وفي كل دور الأنصار خير " . وقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، في الأنصار : " لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم " . وقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، مادحا الأنصار : " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق ، فمن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله " . وقال : " آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الأنصار " وقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار " . وقد أنزل الله سبحانه وتعالى آياته الكريمة في الثناء على الأنصار إذ يقول عز وجل والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم 5 |
الإذن بالقتال ومشروعيته
لم يكن القتال قبل هجرة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة وذلك إن الله تعالى أراد أن يمهل المشركين ، ويتيح الفرصة لهم ، عسى أن يرعووا ويعودوا إلى رشدهم وصوابهم ، ويدعوا عبادة الأوثان والأصنام ، إلى عبادة الواحد الأحد . ولهذا نزلت آيات كثيرة تذكر المشركين وتخوفهم من عذاب يوم آت لا محالة ، كقوله تعالى وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد 1 كما نزلت آيات تدعو رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى الصبر وعدم العجلة ، كقوله تعالى فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم 2 ولما طلب عدد من صحابة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، كسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ، وغيرهم بعد أن ازداد عددهم في مكة ، أن يؤذن لهم بقتال المشركين ، رد عليهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : " كفوا أيديكم عنهم فإني لم أومر بقتالهم " . فلما هاجر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى المدينة المنورة ، وكثر المسلمون وازدادوا ، ودخل الأنصار في الدين الجديد ، الذين عاهدوا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، على النصرة والعون ، وبقي المشركون على عنادهم وكفرهم وعادتهم للأوثان ، واستمرارهم في ملاحقة المسلمين وتعذيبهم ، أذن الله تعالى للمسلمين أن يقاتلوا المشركين ، ليردوا عن أنفسهم كيدهم وشرهم . بقول الله سبحانه وتعالى أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير 3 كما أباح الله تعالى للمسلمين أن يقاتلوا المشركين في أي مكان شاؤوا حيث يقول جل جلاله وأقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل 4 إلا أن الله عز وجل نهى المسلمين عن قتال المشركين عند المسجد الحرام إلا إذا قوتلوا حيث يقول سبحانه وتعالى ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين 5 أما اليهود ، فقد لجؤوا إلى الدسيسة والفتنة ، وخانوا العهود التي قطعوها على أنفسهم وساهموا مع المشركين في الإيقاع بالمسلمين والمكر بهم ، ولهذا أمر الله تعالى المسلمين أن يقاتلوا اليهود حتى يدخلوا في الدين الجديد أو يدفعوا الجزية حيث يقول سبحانه وتعالى بحقهم وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ (6) إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين 7 |
السرايا والغزوات
بدأ رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد أن استقر في المدينة المنورة ، وجعلها قاعدة لانطلاق جيوشه ، باعتراض قوافل قريش التجارية ، سواء تلك التي تخرج من مكة ، أو تلك التي تقدم من الشام ، فيعمل على مصادرتها ، وذلك عقابا لهؤلاء الذين نكلوا بالمسلمين وعذبوهم ، ولإضعاف قوتهم الملية وليوض للمهاجرين بعض ما تركوه في مكة من مال ، ففي السنة الأولي من الهجرة ، وفي شهر رمضان المبارك ، بعث النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عمه حمزة بن عبد المطلب ، رضي الله عنه ، على رأس ثلاثين رجلا من المهاجرين في سرية {1} ليعترضوا قافلة لقريش عائدة من الشام إلى مكة وعلى رأسها أبي جهل عمرو بن هشام ، لكن السرية تلك عادت إلى المدينة دون قتال ، بعد أن حجز مجدي بن عمرو الجهني بين الفريقين ومنع قتالهم ، فشكر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، صنيع مجدي بن عمرو ، وذلك لقلة عدد المسلمين وكثرة عدد المشركين الذين كانوا يبلغون ما يزبد عن ثلاثمائة رجل . وبعد شهر واحد ، بعث النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عبيدة بن الحارث بن المطلب في ستين رجلا من المهاجرين لملاقاة قافلة تجارية للمشركين كان على رأسها أبو سفيان بن حرب الأموي ، وتتألف من مئتي رجل ، وأخذ الطرفان يتبادلان رماية السهام والرماح ، حتى انهزم المشركون خشية أن يكون للمسلمين كمين ، وفي هذه المعركة كان سهم سعد بن أبي وقاص أول سهم أطلق في الإسلام ، وعاد المسلمون إلى المدينة سالمين ، بعد أن التحق بهم : المقداد بن الأسود الكندي ، وعتبة بن غزوان المازني ، واللذين أسلما فرضي الله عنهما ، كما بعث رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد شهر واحد أيضا سرية بقيادة سعد بن أبي وقاص ، في عشرين من المهاجرين ، لاعتراض قافلة تجارية لقريش ، إلا أن هذه السرية عادت إلى المدينة دون قتال وذلك لأن القافلة التجارية قد فاتتهم . وفي السنة الثانية للهجرة ن تابع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، تصديه للمشركين وقوافلهم التجارية ، فكان أن قاد بنفسه أربع غزوات {2} ، ما عدا سرية واحدة أعطى قيادتها لعبد الله بن جحش الأسدي رضي الله عنه . ففي شهر صفر من السنة الثانية للهجرة ، عقد النبي ن صلى الله عليه وآله وسلم ، اللواء الأبيض وسلمه لحمزة بن عبد المطلب ، وجعل سعد بن عبادة الخزرجي على المدينة وخرج في ستين رجلا من المهاجرين . لاعتراض المشركين ، ولما وصل إلى " ودان " {3} كانت قافلة قريش فاتته فلم يحصل قتال ، لكن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عقد صلحا مع بني ضمرة ، على أنهم لا يغزونه ولا يعينون عليه عدوا ، وبالمقابل فإنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم . كذلك خرج رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم في شهر ربيع الأول ، مع مئتي رجل من المهاجرين ليعترض قافلة تجارية ، عليها أمية بن خلف في مائه رجل ن فلم يراها لأنها قد فاتته ، فعاد من هذه الغزوة ن التي سميت بغزوة " بواط " {4} إلى المدينة بحفظ الله ورعايته . وفي غزوة " العشيرة " {5} ، خرج رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، في جمادى الأولى ي مئة وخمسين رجلا من المهاجرين ، ليعترض عيرا لقريش ن عليها أبو سفيان بن حرب الأموي ، وغيره من المشركين ، حتى وصل العشيرة ، فلم يجد هذه القافلة التجارية ، لأنها غادرت المكان قبل وصوله ، والتي كانت السبب المباشر لحرب يوم بدر الكبرى . وفي جادى الثانية ، خرج رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، في بعض أصحابه ، في طلب كرز بن جابر الفهري ، الذي غزا المدينة وسرق ماشيتها ، حتى وصل إلى " صفوان " {6} لكن كرز استطاع الفرار فعاد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم دون حرب . وبعد عودة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، من غزوة بدر الأولى وفي شهر رجب ، بعث عبد الله بن جحش في سرية ، عدد رجالها ثمانية فقط ، وزوده بكتاب ، أمره أن لا ينظر فيه إلى بعد مسيرة يومين ، وخرج عبد الله ومعه رفاقه حتى مضت المدة ففتح الكتاب ، وإذ به يأمره أن ينزل " نخلة " {7} ليرصد قريش ويعلم أخبارها فقط ، وفي نخلة مرت بهم قافلة قريش ، فيها عمرو بن الحضرمي وغيره ، فأطل عليهم أحد المسلمين فرآه المشركون ن فقالوا : إن هؤلاء معتمرون ، فاتفق عبد الله بن جحش مع أصحابه على قتال المسلمين في الشهر الحرام ، فكان إن انهزم المشركون ن وغنم المسلمون تجارتهم وأسروا رجلين ن وعندما عاد عبد الله بن جحش إلى المدينة ، وأعلم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بما كان ، استنكر عمل عبد الله ن لأنه لم يأمره بقتال المشركين ، أما قريش فقد قالت : إن محمدا وأصحابه أستحلوا الشهر الحرام ، وسفكوا فيه الدم ، لكن الله سبحانه وتعالى أيد عبد الله وأصحابه فأنزل قوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ؟ قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل 8 فقبض عندئذ رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول الحكم الإلهي الغنائم والأسيرين |
مقدمة
أيد الله سبحانه وتعالى أنبياءه ، الذين أرسلهم لهداية البشرية ، وانتشالهم من مستنقع الضلالة والعمى ، بالمعجزات الخارقة للعادة ، والخارجة عن المألوف ، وكانت هذه المعجزات تلائم وتنسجم ، مع ما يشتهر به القوم أو يفخرون به ، ومع مسنوى تفكيرهم ونضج عقولهم . فنوح عليه السلام أيده الله تعالى ، بأن مكنه من صناعة سفينة ضخمة ، أنقذته هو وأهله من الطوفان العظيم ، الذي أغرق الكافرين ، أما هود عليه السلام ، نبي قوم عاد الذين حسبوا عندما بنوا الحصون والقلاع ، أن لن يستطيع الله هلاكهم ، فقد أيده الله عز وجل بالرياح الشديدة ، التي اقتلعت قصورهم من جذورها ، وحطمت حصونهم وكأنها لم تكن ، أما النبي صالح عليه السلام فقد أيده الله عز وجل ، بأن أخرج من صخرة صلدة ، ناقة ضخمة ولودا ، وذلك بناء على طلب قومه ثمود ، وإبراهيم الخليل عليه السلام ، جعل الله تعالى ، النار التي ألقاه فيها قومه ، بردا وسلاما ، فلم تؤذه ولم يصبه أي مكروه ، ويوسف عليه السلام ، الذي أيده الله عز وجل بالقدرة على تفسير وتأويل الأحلام ، أما موسى عليه السلام ، فكان قومه مشهرون بالسحر ، فأيده الله عز وجل بالعصا التي تحولت عندما ألقاها أمام قومه ، إلى ثعبان يسعى ويلتهم ثعابين الكفرة ، أما عيسى عليه السلام فقد أيده الله عز وجل بمعجزات كثيرة ، ومنها أنه كان يخلق من الطين الطير ، ويشفي الأعمى والأبرص ، ويحي الموتى بإذن الله تعالى ، عندما أنزل على قومه من السماء مائدة عامرة بأطيب الطعام والشراب .... أما رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد كان قومه معرفون بفصاحتم وقوة بيانهم ، فهم قوم بلاغة وفصاحة ، وقوم شعر وأدب ، حتى قيل بأن الشعر ديوان العرب ، ولا تكاد قبيلة من القبائل العربية تخلو من شاعر مجيد ، أو خطيب مفوه ، ولذلك أيده الله عز وجل بمعجزات ، وقف أمامها الناس حائرين ، فهم قد سمعوا كلاما لم يسمعوا مثله قط ، ورأوا من الآيات والبراهين ، ما عجزت عقولهم عن تصورها ، ومعجزات رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم تنقسم إلى قسمين ، معجزات معنوية ، ومعجزات حسية المعجزات المعنوية أعظم المعجزات إطلاقا ، معجزة إنزال القرآن الكريم على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ن فهو أبهر الآيات ، وأبين الحجج الواضحات ن لما اشتمل عليه من التركيب المعجز ، الذي تحدى به الله عز وجل الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا عن ذلك ، على الرغم من فصاحة العرب وبلاغتهم ، ثم تحداهم بعشر سور منه فعجزوا ، ثم تحداهم بسورة واحدة من مثله ، فعجزوا ، وهم يعملون عجزهم وتقصيرهم ، وأن هذا مالا سبيل لأحد إليه أبدا ، فلن يستطيع أحد على وجه الأرض أن يأتي ولو بآية واحدة من مثله قال الله تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (1) . صدق الله العظيم 2 وزعم الكافرون كما يزعم كثير من أعداء الإسلام اليوم ، أن القرآن الكريم هو من ابتداع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو من البشر وهم أيضا من البشر ، فإن كنتم أيها الكافرون ، واثقين مما تقولون فأتوا بحديث من مثله . يقول الله عز وجل أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون . فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين 6 فالقرآن الكريم ، أوحى به الله عز وجل عن طريق جبريل عليه السلام إلى النبي العربي الأمي ، الذي كان لا يحسن الكتابة ، ولا يعلم شيئا عن أخبار الماضي فقص الله تعالى عليه خبر ما كان ، وما هو كائن ، وأني لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم أن يعرف ما كان قبل مئات بل آلاف السنين ؟ يقول الله تعالى تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين 7 ففي هذا القرآن العظيم من الأخبار الصادقة عن الله وملائكته وعرشه ومخلوقاته العلوية والسفلية كالسماوات والأرضين وما بينهما ، وعن حوادث علمية كثيرة أثبتها العلم الحديث ، ما يبرهن على أن هذا القرآن من كلام الله عز وجل . يقول الله عز وجل ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون . قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون 8 ولعل وصف رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، للقرآن الكريم ، يغني عن كل وصف . يقول عليه الصلاة والسلام : (( كتاب الله فيه نبأ من قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ {9} به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ن ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق {1.} على كثرة الرد ، ولا تنقضي {11} عجائبه ، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا : ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ... ) من قال به صدق ومن عمل به أجر {12} ، ومن حكم به عدل ن ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم )) {13} . ونخلص من ذلك إلى أن القرآن الكريم هو : كلام الله المعجز المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين ، بوساطة الأمين جبريل عليه السلام ن المكتوب في المصحف ، والمنقول إلينا بالتواتر ، المتعبد بتلاوته ، المبدوء بسورة الفاتحة ، المختتم بسورة الناس . وهكذا فالقرآن الكريم هو المعجزة الخالدة التي تتحدى الأجيال والأجيال والأمم على مر الأيام والزمان . وسيرة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وأخلاقه وأقواله وأفعاله من معجزاته ودلائل نبوته ن فإنه عليه الصلاة والسلام كان من أشرف أهل الأرض نسبا ، فهو من سلالة إبراهيم عليه السلام الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب ودعا إبراهيم لذرية ولده إسماعيل بأن يبعث الله فيهم رسولا منهم ، والرسول ، صلى الله عليه وآله وسلم من قريش صفوة بني إبراهيم ، ومن بني هاشم صفوة قريش ، ومن مكة أم القرى ، وبلد البيت الذي بناه إبراهيم ، وحج إليه الناس وما يزالون ، والرسول ، صلى الله عليه وآله وسلم من أكمل الناس تربية ونشأة ، لم يزل معروفا بالصدق والبر ، ومكارم الأخلاق ، والعدل ، وترك الفواحش والظلم ، مشهودا له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة ، ومشهودا له بذلك عند جميع من آمن به ومن كفر بعد النبوة ، لا يعرف له شيء يعاب به ، لا في أقواله ، ولا في أفعاله ، ولا في أخلاقه . وهو إلى جانب ذلك ، كان حسن الصورة والخلق ، وكان أميا من قوم أميين ، لا يعرف هو ولا قومه ما يعرفه أهل الكتاب من التوراة والإنجيل ، وعندما بلغ الأربعين من عمره ، أتى بأمر هو أعجب الأمور وأعظمها ، وبكلام لم يسمع الأولون والآخرون نظيرا {14} له ، ثم أتبعه ، أتباع الأنبياء ، وهم ضعفاء الناس ، وكذبه أهل الزعامة والرياسة وسعوا في هلاكه وهلاك من أتبعه ، والذين اتبعوه ، لم يتبعوه لرغبة أو رهبة ، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن غنيا ولم يطلبه ، ولم يكن ظالما ذا سطوة ، وإنما ذاقت قلوبهم حلاوة الإيمان ، فصبروا على الأذى كما صبر معهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى أن اجتمع بأهل يثرب ، فآمنوا به وبايعوه على هجرته وهجرة أصحابه إلى بلدهم ، وعلى الجهاد معه ضد المشركين ،حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب ، التي كانت مملوءة بالأوثان ، ومعروفة بسفك الدماء المحرمة ، وقطيعة الأرحام {15} ، لا يعرفون آخره ولا بعثا ، فصاروا في ظل راية الإسلام ، أعلم أهل الأرض وأعدلهم وأفضلهم ، ومات رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم كل نفس ذائقة الموت 16 مات ولم يخلف درهما واحدا ولا شاة ولا بعيرا ، إلا بغلته وسلاحه ودرعه . مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا {17} من شعير ، اشتراها لأهله طعاما لهم ، وهو إلى جانب ذلك ، يخبر قومه بما كان وبما يكون ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، يحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث ، ويكمل الشريعة شيئا بعد شيء حتى أكمل الله تعالى دينه الذي بعث به اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا 18 |
المعجزات الحسية
انشقاق القمر طلب المشركون من رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يأتيهم بآية أو دليل على صدق دعوته ، وذلك قبل الهجرة إلى المدينة المنورة فطلبوا منه أن يشق القمر فرقتين ، فأعطاه الله تعالى هذه المعجزة ، التي تعتبر من أعظم المعجزات الحسية ، وعندما رأى المشركون المعاندون هذه الآية العظيمة قالوا : لقد سحركم ابن أبي كبشة {1} . وقد ذكر الله تعالى هذه المعجزة في كتابه العزيز إذ قال اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا أية يعرضوا ويقولون سحر مستمر 2 وقد روى قصة انشقاق القمر ، عدد من الصحابة الكرام منهم : عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود ، فعن ابن مسعود قال : " انشق القمر على عهد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم شقتين حتى نظروا إليه فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : اشهدوا تكثير الماء كانت مكة المكرمة ، كما هو معروف ، أرضا جدباء لا ماء فيها ولا زرع ، ولهذا كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، يفقدون الماء في كثير من الأوقات . فقد حدث أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، خرج ذات يوم لبعض مخارجه معه ناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون ، فحضرت الصلاة {3} فلم يجد القوم ما يتوضئون به فقالوا : يا رسول الله ، ما نجد ما نتوضأ به ، ورأى في وجوه أصحابه كراهية لذلك ، فانطلق رجل من القوم ، فجاء بقدح من ماء يسير ، فأخذ نبي الله ، فنوضأ منه . ثم مد أصابعه الأربع على القدح ، ثم قال : هلموا {4} فتوضؤا ، فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء تكثير الطعام ومما يروى في ذلك ، أن أبا هريرة كان يقول : والله إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمر أبو بكر ، فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ، ما سألته إلا ليستتبعني {5} فلم يفعل ، فمر عمر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله ، ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل ، فمر أبو القاسم ، صلى الله عليه وآله وسلم فعرف ما في وجهي ، وما في نفسي فقال : أبا هريرة ، قلت له : لبيك يا رسول الله . فقال : الحق استأذنت فأذن لي ، فوجدت لبنا {6} في القدح ، قال : من أين لكم هذا اللبن ؟ قالوا : أهداه لنا فلان ، قال : أبا هريرة {7} : قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : انطلق إلى أهل الصفة ، فادعهم لي ، قال أبو هريرة : وأهل الصفة أضياف الإسلام ، لم يأووا إلى أهل ولا مال {8} ، إذا جاءت رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، هدية أصاب منها ، وبعث إليهم منها ، وإذا جاءته الصدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها . ويتابع أبو هريرة رضي الله عنه حديثه فيقول : وأحزنني ذلك {9} ، وكنت أرجو أن أصيب من اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي ، وقال أبو هريرة رضي الله عنه : أنا الرسول {10} فإذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم وقال ك ما يبقي لي من هذا اللبن ، ولم يكن من طاعة الله ورسوله بد ، فانطلقت فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخذوا مجالسهم من البيت ، ثم قال : أبا هر {11} خذ فأعطهم ، فأخذت القدح فجعلت أعطيهم ، فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروي ، ثم يرد القدح حتى أتيت على أخرهم ، ودفعت إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخذ القدح فوضعه في يده وبقي فيه فضلة {12} ، ثم رفع رأسه ونظر إلي وتبسم وقال : أبا هر ، فقلت : لبيك يا رسول الله ، قال : بقيت أنا وأنت ، فقلت : صدقت يا رسول الله ، قال : فاقعد فاشرب ، فقعد أبو هريرة فشرب ، ثم قال : اشرب ، فشرب أبو هريرة فما زال يقول لي : اشرب فأشرب حتى قلت : لا والذي بعثك بالحق ما أجد له في مسلكا ، قال : ناولني القدح ، فرددت إليه القدح ، فشرب من الفضلة انقياد الشجر يحدثنا جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه فيقول : سرنا مع النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى نزلنا واديا أفيح {13} ، فذهب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم يقضي حاجته فاتبعته بإداوة {14} من ماء ، فنظر فلم ير شيئا يستتر به ، وإذا شجرتان بأسفل الوادي فانطلق إلى إحداهما ، فأخذ بغصن من أغصانها ، وقال : " انقادي علي بإذن الله " ، فانقادت معه ... حتى أتي الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها ، وقال : انقادي علي بإذن الله ، فانقادت معه ، حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما ، قال التئما علي بإذن الله فالتأمتا .... وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا مع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم في سفر ، فأقبل أعرابي ، فلما دنا منه قال له رسول الله : أين تريد ؟ قال : إلى أهلي ، قال : هل لك إلى خير ؟ قال : ما هو ؟ قال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، قال : هل من شاهد على ما أقول ؟ قال : هذه الشجرة ، فدعاها رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي على شاطئ الوادي ، فأقبلت تخذ {15} الأرض خدا ، فقامت بين يديه ، فاستشهادها ثلاثا ، فشهدت أنه كما قال ، ثم إنها رجعت إلى منبتها ، ورجع الأعرابي إلى قومه وقال : إن يتبعوني أتيتك بهم ن وإلا رجعت إليك وكنت معك حنين الجذع كان النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، قبل صنع المنبر الشريف ، يخطب قائما ، معتمدا على جذع نخل ، فإذا طال وقوفه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أو شعر بتعب ، وضع يده الشريفة على ذلك الجذع . فلما كثر عدد المصلين وضاق المسجد بأهله ، كان كثير من الناس ، لا يرون رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وخاصة من كان يجلس في آخر المسجد ، إضافة إلى تقدم العمر برسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فأشفق عليه الصحابة ، فاقترحوا عليه أن يصنعوا له منبرا ، فصنعوه ، فلما كان يوم الجمعة ، خرج رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، يريد المنبر ، ليخطب عليه ، فلما تجاوز الجذع الذي كان يخطب عنده ، صرخ الجذع صرخا شديدا ، شوقا وحنينا إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فنزل رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم عن المنبر ، فوضع يده الشريفة على الجذع ومسحه ، فهدأ الجذع ، ثم خيره رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بين أن يكون شجرة في الجنة ، وبين أن يعود شجرة مثمرة في الدنيا ن فاختار الجذع أن يكون شجرة في الجنة ، ثم قال عليه وآله الصلاة والسلام : والذي نفسي بيده لو لم التزمه لبقي يحن إلى قيام الساعة استجابة جبل أحد عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، كان على حراء ، هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ، فتحركت الصخرة ، واهتز الجبل ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : هدأ ، فما عليك إى نبي أو صديق أو شهيد 16 إخبار الشاة المسمومة لما انتهت غزوة خيبر ، وانتصر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود ، ودخل حصونهم ، وغنم غنائمهم ، تقدمت اليهود وسألت عن أحب الأعضاء إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم من الشاة ، فلما أخبرت بذلك ، عمدت إلى الشاة فذبحتها ثم طبختها وسمتها وزادت السم في الذراع ، وقدمتها لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما جلس ومعه بعض أصحابه ، وهم بأن يأكل من الذراع ، أخبرته الذراع بأنها مسمومة ، وإن الشاة كلها مسمومة ، فقال لأصحابه : ارفعوا أيديكم ، ثم دعا اليهودية فسألها عن فعلتها . فقالت : أردت الوثوق منك ، فإن كنت نبيا أخبرتك الشاة ، وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك ، ثم قالت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله .. وهناك عزيزي القارئ معجزات أخرى كثيرة ، أردنا فقط أن نضرب لك مثلا لتكون على علم بما منح الله عز وجل رسوله محمدا بن عبد الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، من معجزات دالة على صدق نبوته ورسالته |
إلىآ هنآ , و قد وصصلت إلىآ النهآيةة ,
آمل ان تنآآل المسيرةة إعجآبكم , ,, :rose: |
الساعة الآن 01:33 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010