إن منهج التغيير في الأمة يمر بمراحل كثيرة، وبما أنه قد تجلجلت أمتنا العربية والإسلامية في نوازل ومصائب يعجز عنها البيان، فإنه قد آن الأوان لوضع رؤية مستقبلية، ومنهجية مدروسة، للخروج من الواقع، وتسريع الخطا باتجاه التغيير، والعمل الحثيث والدؤوب نحو النهضة والصحوة.
وما ينبغي للمسلم صاحب الهمة العالية أن يرضى عن نفسه أن تقف عند الدون، وترضى بالقليل من الأعمال، وقد أبى هذا ذلك الجاهلي حيث قال: ولو أنَّما أسعى لأدنى مَعيشَةٍ كفاني –ولم أطلبْ– قليلٌ مِنَ المالِ، أي كفاني القليل، ولم أطلب المجد العظيم، والملك الوطيد، فإن همّته أبت عليه أن يرضى بالقليل، ويسعى إلى الدون.
وبما أنه على قدر أهل العزم تأت العزائم، ولتنجح الأعمال وتثمر المشاريع فلا بدَّ من تضافر عدة عوامل نذكر منها:
1- فهم طبيعة العمل الذي يحرص عليه الفرد أو الجماعة لأن الجهل به يجعل القائمين به يخبطون على غير هدى.
2- بيان قيمة العمل الذي يُراد تحقيقه لأنه إذا لم تكن له قيمة تذكر، فإن النفس قلَّما تندفع إليه، وإذا اندفعت إليه، فالثمار من ورائه زهيدة.
3- وضوح الهدف من وراء هذا العمل لأن الهدف إذا غاب عن أبصار العاملين كانوا كالهائم الذي لا يدري إلى أين يسير.
4- التسلح بإرادة قوية لدى العاملين لا يتطرق إليها الضعف.
5- القدرة على الثبات والوفاء والتضحية التي لا تحول دونها الشهوات والأطماع.
6- رسم الخطط المرحلية للعمل فإن العمل العظيم لا يطبخ بقدر واحدة في ساعة واحدة، بل لا بد لإنتاجه وإنضاجه من خطة مرحلية ينمو ضمنها ويتدرج في أفيائها.
7- توفر الحماس لدى العاملين والحرص والإخلاص والتعاون في سبيل العمل الناجح.
8- عقد العزم والحزم والإتقان وإخراج العمل في أعلى المقاييس الممكنة.
9- تهيئة الوسائل المعينة والكفيلة بالنجاح، فإن أي مشروع لا يقوم بنفسه بل لا بد من استخدام وسائل صناعية وهذه الوسائل كثيرة ومتشعبة فلا بد من معرفتها وتطويرها واستخدامها، وبقدر ما تكون هذه الوسائل سليمة وقويمة وجاهزة يكون العمل أسرع والنجاح أضمن.
10- الاستعانة بالكفاءات القادرة والنادرة، فموسى عليه السلام، وعلى جلالة قدره طلب العون بأخيه لما كان يتمتع به من القدرة على الخطاب والجواب والبلاغ. قال موسى لربه عز وجل: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ) القصص (34).
11- معرفة القدرات المتوفرة لدى العاملين فلا يكلفون أنفسهم بما لا يطيقون ولا يخوضون غمار ما لا يقدرون على الخوض فيه. وقد قيل: إذا لم تستطعْ شيئاً فدعْهُ وجاوِزهُ إلى ما تستطيعُ.
12- دراسة العقبات والصعوبات التي تقف في الطريق ليُعمل على تجاوزها وإعداد العدة على تخطيها، فإن من يعمل عملاً لا يقدر فيه الصعاب، ولا يعرف قدرة الخصوم، ولا حجم الموانع، فإنه كثيراً ما يصطدم بما لا يتوقعه، فتخور همته، وتضعف عزيمته.
13- ولا بد أخيراً من التوكل على الله عز وجل والاستعانة به والاعتماد عليه والثقة به.
وللحديث تتمة في معاني التغيير، وتفعيل القدرات للسير نحو النهوض، والخروج من الواقع، والصيرورة إلى المستقبل المشرق بإذن الله تعالى.